سناء الخوري فازت الهند، أمس، بإحدى أرفع الجوائز الأدبيّة في العالم: جائزة «بوكر 2008»... ليس فقط لأنها جاءت من نصيبّ أصغر المرشحين الستّة على اللائحة القصيرة، أي الهندي أرافيند أديغا (33 عاماً) الذي حصد الخمسين ألف جنيه استرليني (87 ألف دولار) عن باكورته «النمر الأبيض» (أتلانتيك)... بل أيضاً لأنّ هذا البلد كان الحاضر الأكبر في الرواية التي قفزت مبيعاتها منذ ترشّحت إلى 700 في المئة. فوزٌ جدليّ. إذ اعتبر بعضهم أنّ النقد اللاذع الذي يوجّهه الكاتب عبر شخصيّته الرئيسة إلى المجتمع الهندي يشوّه صورة البلد، لكنّ أديغا الصحافي الاقتصادي في «تايم» و«فايننشال تايمز»، استوحى شخصيّة بطله من الناس الذين يلتقيهم في محطّات القطار، وفي مواقف الحافلات والأسواق والشوارع الهنديّة. هناك يتحدّث الفقراء بغضب عن نظام حياتهم الذي فرضته ــــ بحسب أديغا ــــ التغيّرات العنيفة التي طرأت على الهند في نصف القرن الماضي، مربكةً طبقة المعدمين بعدما أنزلتهم إلى أسفل السلّم الاجتماعي، فـ«هذا الموضوع هو أكثر الهواجس إلحاحاً، وخصوصاً حين تتشعّب منه مشاكل أخرى كالإرهاب والتوترات»، يقول أديغا. بهذه الخلفيّة، انطلق تلميذ «كولومبيا» و«أكسفورد» بمشروعه الروائي الذي بدأه عام 2005، فكانت «النمر الأبيض». إنه لقب بطل الرواية، بلرام هلاوي، أحد رجال الأعمال الآتين من خلفيّة فقيرة، اغتنم فرصة زيارة رئيس وزراء الصين (المتخيّل طبعاً) إلى الهند، ليبعث له سبع رسائل هي فصول الكتاب. من خلال هذه الرسائل، يتعرّف القارئ إلى الطرق الملتوية (ومن بينها القتل) التي استخدمها بلرام لينزع عن نفسه جلدة الفقير ويرتدي بزّات رجال الأعمال الفاخرة. هنا، ابتعد أديغا عن لهجة الشفقة التقليديّة التي تترافق مع الحديث عن الفقراء، ليظهر ناحيةً أخرى من شخصيّة المحروم، تلك التي تحاول بنفاق ووصوليّة أن تترفّع طبقيّاً، مسلّطاً الضوء على «قضيّة كسر الظروف التي تجد نفسك فيها»، يقول أرافيند أديغا.
يبتعد الكاتب الشاب عن النظرة التقليديّة عن الهند المتمثّلة بالتوابل ونهر الغانج المطهّر، ليغوص في أعماق النفسيّة الهنديّة ويفنّد المشاكل النفسيّة والاقتصاديّة الناتجة من انقسام المجتمع إلى شطرين، المضيء والمظلم. انقسام ليس طبقيّاً فحسب، بل يعود إلى خلفيّات أسطوريّة نابعة من إحدى العبادات الهنديّة القديمة، أي المانيّة manicheism التي تقسّم الكون إلى شطرين: العالم النوراني وعالم الظلمات. ذلك الانقسام حوّله أديغا، على لسان بطله، إلى «عالم الرجال ذوي البطون الصغيرة، وعالم الرجال ذوي البطون الكبيرة».
«عملٌ يسلّي ويصدم في آن»، بحسب رئيس لجنة تحكيم الجائزة مايكل بوتيللو. هذا الطابع هو الذي دفع اللجنة إلى إقصاء مرشّحين مخضرمين كريتشارد باري، وأميتاف غوش. رواية كبيرة، جعلت أديغا الهندي الخامس الذي يفوز بـ«بوكر» بعد نايبول وسلمان رشدي وبين أوكري وأرونداتي روي وكيران ديساي، والأديب الرابع الذي تحوز باكورته تلك الجائزة المرموقة... هذا الفوز هو فعلاً بدايةً مبشّرة للصحافي الذي حلم منذ طفولته بأن يصبح أديباً.