سوزان تميم... لعبة الجنس والمال والسلطةمحمد عبد الرحمن
عندما بدأت أولى جلسات محاكمة محسن السكري (المتهم بقتل سوزان تميم) وهشام طلعت مصطفى (المتهم بالتحريض والتمويل) أول من أمس، غاب عن بال الكثيرين الخبر الذي تردّد أخيراً عن منع دخول الكاميرات إلى قاعة المحكمة. ويبدو أن الانتقادات بشأن هذا القرار، كانت أقوى من مبررات أحد المسؤولين في وزارة العدل. وهو أشار إلى أن القضية ستخوض في الأعراض، ولا داعي إلى نشر حكايات، قد لا يكون لها قيمة عند الجمهور.
لكن القرار سقط من تلقاء نفسه، ودخل الإعلاميون القاعة أفواجاً منذ الخامسة صباحاً، وحتى انتهاء الجلسات في حدود الثانية عشرة ظهراً. وعلى رغم أنها جلسة إجرائية، لم تخلُ من مفاجآت ومفارقات، سواء على المستوى القضائي أو حتى الإعلامي، إذ فوجئ المتابعون بكمّ كبير من المحامين من مصر (وهم الأغلبية طبعاً)، ثم من الإمارات ولبنان وبريطانيا، حتى إن القاضي محمدي قنصوه طلب منهم مراجعة أوراقهم مع جهات القضاء المصرية، قبل موعد الجلسة الثانية في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وهي الجلسة التي ستخصّص لاستدعاء كل الشهود، واستكمال احراز القضية التي استعرضتها المحكمة في الجلسة الأولى. غير أن الفترة بين الجلسة الأولى والثانية، والإجراءات الاعتيادية التي اتخذتها المحكمة، أكدت للجميع أن القضية لن تحسم سريعاً.
وأكثر المستفيدين من كل هذه الضجّة والوقت المستقطع، هم مقدمو برامج الـ«توك شو» الذين سيحرصون على تغطية دورية لجلسات القضية ذات الخصوصية النادرة لدى الشارع المصري (راجع البرواز). من هنا، دفعت سخونة الملف بقناتي «الجزيرة» و“العربية» إلى الطلب من مديري مكاتبها في مصر النزول منذ الصباح الباكر لتقديم تقارير مباشرة من موقع الحدث. وقد ركّز حسين عبد الغني («الجزيرة») كالعادة على الخلفية السياسية والاقتصادية للمتهم الثاني (طلعت). كما «فاز» بتعليقات غاضبة من المواطنين، ثم ردود واثقة من براءته على لسان موظفي شركاته. أما «العربية» فأعلنت انحيازها الكامل لهشام طلعت مصطفى منذ التقرير الأول، إذ استضافت رندة أبو العزم، ولمدة خمس دقائق كاملة، موظفاً في شركات المتهم الثاني، ليدافع عنه على طول الخط، ويبرّر كثرة الأدلة بأنها نتيجة «دقّة المكيدة». ويعلن أيضاً أن المشروعات العقارية مستمرة على ما يرام. وكل ذلك من دون أن تقدم القناة أي وجهة نظر أخرى في التقرير، الذي امتدّ ثماني دقائق من أمام مبنى المحكمة. ولأن مديرة «العربية» في القاهرة أرادت أن تحفظ ماء الوجه، فقد طرحت بعض الأسئلة الهجومية على الموظف الذي استمر في الدفاع عن رئيسه، بعبارات مثل «المهندس هشام قدوتي وكلنا واثقين من براءته».
أما البرامج الحوارية المصرية، فكان النزاع بينها على أشدّه. وجاءت في المقدمة «الحياة اليوم» و“القاهرة اليوم» و“العاشرة مساءً» ثم «تسعين دقيقة» وأخيراً «البيت بيتك» الذي اكتفى بتغطية تقريرية نظراً لحساسية موقف التلفزيون المصري.
ونال مذيعا «الحياة اليوم» شريف عامر ولبنى عسل معاملة قاسية، وخصوصاً من محامي المتهم الثاني فريد الديب، الذي طلب منهما السكوت وعدم المقاطعة لأنهما «مش فاهمين حاجة». وبعد خروجه من الاستديو، علق عامر، متسائلاً كيف يدير الديب القضية بهذه العصبية! أما عادل معتوق، فهدّد بعدم إكمال الاتصال معه من فرنسا، إذا استمرت مقاطعة المذيعين لإجابته عن والد سوزان تميم. وأكد أن الكل يريد مصلحته الشخصية، وأن ما سيحصل عليه من إرث أو تعويضات، سيقدمه إلى الجميعات الخيرية. من جهتها، طرحت منى الشاذلي في برنامج «العاشرة مساءً»، بعد التغطية الإخبارية، على الجمهور السؤال التالي: «هل تريدون متابعة الجلسات على الهواء مباشرة».
وكالعادة، حاول عمرو أديب أن يكون مختلفاً في «القاهرة اليوم». وركَّز في الحلقة على إيصال معلومات محددة للجمهور، أبرزها شهرة القاضي الذي ينظر في القضية، والمعروف بأحكامه الصارمة واعتماده الدائم على الأوراق فقط، كما شدّد على أن شخصية الضحية قد تؤثّر على مسار القضية، فهناك فرق في أن تكون الضحية شخصية سياسية أو اجتماعية دخلت في صراعات مال ونفوذ، أما أن تكون فنانة معروفة بعلاقاتها المتعددة، ويظهر لها زوجان في أولى جلسات المحاكمة، حسب رأي أديب. وفيما انتقد محاولات بعضهم «تسييس القضية»، كشف عن جديد ملابسات القبض على القاتل. إذ بحثت شرطة دبي عن نوع الملابس التي كان يرتديها المتهم الأول (السكري)، ووصلت إلى المستورِد الذي حدد اسم المحل الذي باع له المستورد هذا النوع تحديداً. ومن خلال الرقم السري (بار كود)، جرى التوصل إلى صاحب البطاقة الائتمانية الذي اشترى القميص.


اهتمام شعبي وإعلامي

الصورة الأكثر انتشاراًلذا، لم يكن مستغرباً أن تحتل صورة هشام طلعت مصطفى خلف القضبان، الصفحات الأولى في جرائد مصرية وعربية، صادرة صباح أمس، ولم يكن مستغرباً أيضاً هذا الوجود الأمني الكثيف صباح أول من أمس، في منطقة باب الخلق الشهيرة، في وسط القاهرة: إجراءات الأمن شملت الجميع، بما في ذلك المتهمَون أنفسهم. أما كلّ من دخل قاعة «السادات» فتعرَّض للتفتيش بالأجهزة الإلكترونية المتقدمة، وأحياناً بالكلاب البوليسية. حتى القاعة نفسها، فُتشت بدقة قبل أن تفتح أبوابها للجمهور، وقبل وصول المتهمَين وإدخالهما من باب خلفي لخداع المراسلين الذين اعتادوا دخول المتهمين من الباب الرئيسي. أما خلال الجلسة، فقال مصطفى الذي جرى توقيفه وتوجيه الاتهام إليه في الثاني من أيلول (سبتمبر)، أمام القاضي: «أنا بريء، حسبي الله ونعم الوكيل». أما السكّري، فجزم بأنه لم يرتكب هذه الجريمة.
وعلى الشاشة، استفادت الفضائيات من كثرة المحامين في هذه القضية، ومعظمهم من هواة الإعلام مثل طلعت السادات، ونبيه الوحش، الذي حرك دعوى باسم الشعب المصري، يطالب فيها «بتعويض مليار جنيه تصرف على العشوائيات، انتقاماً من طلعت الذي حصل على أراضي الدولة بأموال زهيدة، ليبني مشروعات سكنية تذهب أرباحها إلى علاقاته مع الفنانات». أما عبد الستار تميم والد الضحية، فقد نفى في اتصال مع برنامج «تسعين دقيقة» أن يكون قرار منعه من حضور جلسات المحاكمة، يتعلّق بقضية المخدرات التي سرعان ما خرج منها قبل 4 سنوات.