بيار أبي صعب«تنذكر ما تنعاد» مسرحيّة تحمل إلى الخشبة اللبنانيّة كثيراً من النضارة التي نفتقر إليها، لأن الأشكال السائدة التي تتحكّم بالإنتاج المسرحي، تخضع لمعطيات الموضة في بيروت. بين الأساليب الراديكاليّة والمرجعيّات المتشنّجة، هناك صحراء قاحلة، لم يعد فيها من مكان للهو والعبث والابتكار. «مجموعة كهربا» تتجرأ على المحظور، تتعامل بخفّة و«سذاجة» وحريّة مع المسرح المكرّس. بيرين غريزلان (نص)، إيريك دونيو (إخراج)، هاشم عدنان وكامي برونال وريما مارون وأوريليان الزوقي (تمثيل)، كيندا حسن (مؤثرات صوتيّة)... يسمحون لأنفسهم بتجاوزات كثيرة. النتيجة عمل متحرّك فيه كلام كثير، مضبوط ومشغول ومشرّع على الشعر والتأملات والعبث. عمل يقبض على المعادلة السحريّة حيناً، ويبقى عند أعتابها أحياناً. فنانون من بلدين: لبنان وفرنسا... ما ينعكس طبعاً على النص والرؤية والخطاب الفنّي وأدواته. لذلك بدا هؤلاء على خشبة «دوّار الشمس» حيث قدّم العمل أخيراً، كأنّهم آتون من كوكب آخر.
أربعة ممثلين واثنتا عشرة دمية (بالحجم البشري) في حوار مع تركة الحرب الثقيلة. الحرب التي سبقت هؤلاء، وأورثتهم أوزارها. الحرب التي عاشوها في تموز 2006. الحرب في استحالة بناء مجتمع مستقرّ من دون هذا العنف المضمر. والحرب المشرّعة على أسئلة ثقافيّة (الهنا والهناك) ووجوديّة وميتافيزيقيّة. مونولوغات وحوارات بين التأمل الفلسفي والغرابة، على شكل مواجهة بين العربيّة والفرنسيّة. هؤلاء الشبان يقفزون من زاوية إلى أخرى: من خلف ستارة الصحف التي تقسم الفضاء إلى مستويين، من جوانب الخشبة. يتواجهون، يحاولون أن يبدأوا الحكاية، أن يكملوا حواراً، علاقة، قصّة... لكن القطيعة دائماً بالمرصاد. تحريك الدمى وتوظيفها نقطة الثقل في «تنذكر ما تنعاد»، وفي تجربة المجموعة المسكونة بهاجس التواصل مع الناس. ولو أن الانفلاتات التمثيليّة والابتكارات المشهديّة لا تكتمل في بنية دراميّة. في بيانهم الموجز يتحدث فنانو «كهربا» عن أحلام ورؤى تجمعهم. يريدون أنفسهم فرقة دائمة، متجوّلة، تطلع من المدينة إلى الأطراف. ثلاث تجارب حتى الآن «عربايتنا»، «صوت في الظلام»، «تنذكر ما تنعاد». ونحن نطلب المزيد.