هل يضيق هامش الحريات الإعلامية في المملكة؟ وهل يخرج الإعلام الرسمي من البلبلة التي وقع فيها بسبب تعدّد المرجعيات؟ أسئلة كثيرة يطرحها قرار إلغاء المجلس الأعلى للإعلام أخيراً
عمان ــ أحمد الزعتري
فصل آخر من فصول «شدّ الحبال» بين ما اصطُلح على تسميته في الأردن بالليبرالية الجديدة وبين المحافظين في السلطة التنفيذية. وهذه المرّة كان الإعلام هو الضحيّة. إذ أُعلن أول من أمس إلغاء «المجلس الأعلى للإعلام» الذي تأسّس عام 2001 بعد إلغاء وزارة الإعلام، التي كانت المشرفة المباشرة على الوسائل الإعلامية. وهذا الأمر نتج منه تأسيس هيئات متعددة ومتضاربة أحياناً في المهمات والمرجعيات وهي، إضافةً إلى المجلس الملغى: «دائرة الصحافة والنشر» و«الإعلام المرئي والمسموع» اللذان تندرج تحت لوائهما «مؤسسة الإذاعة والتلفزيون» ووكالة «بترا» الرسمية و«دائرة المطبوعات والنشر». هذا التفرّع الأفقي والمتضارب أدّى ـ بحسب المحافظين أي معارضي مفهوم الهيئات بدلاً من الوزارات ـ إلى «تفكيك ولاية الحكومة على القطاعات المختلفة»، ما أدّى إلى سيطرة نافذين في السلطة التنفيذية على هذه الهيئات.
عضو المجلس الملغى الصحافي جميل النمري قال لـ«الأخبار» إنّ «إلغاء المجلـــــس الأعلى للإعلام يعكس تضارباً بين القوى التي تعتمد مسيـــــــرة دائرية، تبدأ بمشاريع إصلاحية وتنـــــــتهي بنقطة الصفر». أما إنجازات المجلس، فيرى أنّه «لم يمتلك صلاحيات لذلك، بسبب رغبة قوى في السلطــة التنفيذية في الاستئثار بدور الإشراف المباشر». بينما يرى الإعلامي في جريدة «الغد» محمد أبو رمّان أنّ قرار الإلغاء «يعكس حالة الفوضى وغياب الرؤيا الاستراتيجية للمؤسسات الإعلامية في مرحلة ما بعد إلغاء وزارة الإعلام». ويرى أن إلغاء وزارة الإعلام نتج منه «تضارب بين الهيئات الإعلامية وتعدد في المرجعيات، ما أربك موقف الإعلام
الرسمي».
لكن ما هي انعكاسات هذا القرار على حرية الإعلام في الأردن؟ يرى النمري أنّ القرار لا يحمل تأثيرات سلبية ولا إيجابية، «في الجوهر لم نتّخذ كمجلس أعلى للإعلام، خطوات حقيقية لتحرير الإعلام، وجاء القرار بمثابة محاولة للخروج من حالة البلبلة التي تسود الهيئات المنظّمة والمشرفة على تنظيم الإعلام». بينما يرى أبو رمّان أنّ هناك ضرورة لـ«توحيد المرجعيات ومنح الإعلام الرسمي استقلالية يكون فيها إعلاماً للدولة لا إعلام حكومة، ما يسمح للمعارضة بأن تتمثّل عبر رؤساء تحرير خارج تأثير السلطات الرسمية».
وكان لتعدّد المرجعيّات أثرٌ واضح تجسّد في تخبّط قرارات التلفزيون الرسمي مثلاً، بدايةً من قضية تجاهل المسلسلات الأردنية في رمضان، وشراء مسلسلات عربية مثل «أسمهان» عوضاً عن الإنتاجات الأردنية، ثم إيقاف عبد الوهاب الطراونة مقدم برنامج «دليل المستهلك» الذي يحظى بشعبية كبيرة بعدما كشف عدداً من قضايا فساد حُوِّلت إلى المحاكم. وسبب إيقافه أنّ الطراونة صوّر تقريراً عن مستودعات غير مطابقة لمواصفات السلامة العامة تعود إلى مستثمر كبير ونافذ... وليس انتهاءً باعتذار رنا أبو سلطان مقدمة البرنامج الشعبي أيضاً «يسعد صباحك» عن عدم الاستمرار في تقديم البرنامج لأسباب لم توضحها، لكنها تعكس عدم استقرار مناخ العمل والإدارة في التلفزيون.
ما هو الحل إذاً؟ يجيب أبو رمّان: «على الحكومة إيجاد مطبخ إعلامي يصوغ موقف الحكومة من القضايا المثارة، إذ أصبحت الرواية الرسمية ركيكة وضعيفة في مواجهة هذه القضايا». أما القطاع الخاص، فيرى أبو رمّان أنّ الحل يكمن في «توحيد المرجعيات وابتعاد الدولة عن التدخل بالإعلام الخاص وضمان حق الوصول إلى المعلومة».