بيار أبي صعبليس من المستغرب أن تمنح «مؤسسة ابن رشد للفكر الحر» جائزتها السنويّة لمحمد عابد الجابري، بل أن تكون تلك الجمعيّة التي تدافع عن الفكر الديموقراطي الحر (www.ibn-rushd.org) قد انتظرت عشر دورات لتقوم بهذه الخطوة. الذين فازوا بالجائزة قبل المفكر المغربي، يستحقّونها بجدارة طبعاً، من نصر حامد أبو زيد إلى محمد أركون، ومن صنع الله إبراهيم إلى نوري بوزيد، ومن عزمي بشارة إلى محمود أمين العالم. لكن صاحب «نحن والتراث» من أقرب المفكّرين الأحياء إلى ابن رشد، بمنهجه العقلاني أوّلاً، ومن خلال الدور الحيوي الذي أدّاه في نشر كتب ابن رشد الأصيلة، من «فصل المقال» إلى «الضروري في السياسة»، بعد تحقيقها والتقديم لها.
يعتبر الجابري (1935)، اليوم، من منارات الفكر النهضوي. أسّس منذ الثمانينات لمنهج جديد في مقاربة التراث ثم اشتغل على مشروعه الضخم في «نقد العقل العربي»، باحثاً عن علاقات ممكنة بين تعثّر المشروع النهضوي و«استقالة» العقل، وساعياً ـــــ من خلال منهجية نقدية قائمة على التحليل الأبستميولوجي ـــــ إلى مساءلة الأدوات المعرفية التي راوحت مكانها منذ العصر الذهبي للثقافة العربية الإسلامية. واشتغل أخيراً على قراءة النصّ المقدّس، مستبعداً كل التعاريف الفقهية ليستعيض عنها بتلك الواردة في القرآن نفسه. هكذا أبصر النور «مدخل إلى القرآن الكريم»، ثم «فهم القرآن الحكيم: التفسير الواضح حسب ترتيب النزول». وردّاً على منتقديه، رأى الجابري أن «كل أنواع الفهم التي شيَّدها علماء المسلمين حول القرآن هي تراث، لأنها تنتمي إلى ما هو بشريّ».
تحيّة إلى المعلّم الذي أدى دوراً رائداً في تحديث فكرنا المعاصر.