«طفل كبير يلعب بالمفرقعات الناريّة». إنّه كلارك غيبل الذي سطع نجمه في هوليوود قبل نصف قرن. كتاب جديد عن حياته وأفلامه يدخل إلى المكتبة العربيّة. مناسبة لاستعادة تلك الطريق الشائكة التي أوصلت بطل «ذهب مع الريح» إلى القمّة، ليصبح أحد أشهر رجال العالم
خليل صويلح
لم ينجح كلارك غيبل (1901 ــــ 1960) في اختبار التمثيل الأول الذي خضع له للالتحاق بفرقة مسرحيّة جوّالة، لكنّه أصرّ على مرافقة الفرقة في عروضها للمساعدة في الأعمال المجهدة. غياب أحد الممثلين أتاح أمامه فرصة الوقوف على الخشبة ليؤدّي أدواراً صغيرة، ثم عاد مرغماً للعمل في مصنع لنشر ألواح الخشب مقابل ثلاثة دولارات في اليوم. في هوليوود، عمل ممثّلاً ثانوياً، إضافةً إلى عمله في محطة وقود. السيرة المبكرة لنجم هوليوود في الأربعينيات والخمسينيات يرصدها وارن جي. هاريس في كتاب «كلارك غيبل .. سيرة حياته وأفلامه» نقله إلى العربية محمد علّام خضر (سلسلة الفن السابع ــــ وزارة الثقافة، دمشق). من هوليوود التي تجاهلته طويلاً إلى مسارح برودواي تحوّل «الفتى الأخرق» فجأةً إلى معبود الجماهير في عروض لافتة، وعلاقات نسائيّة متعدّدة فطاردته الشائعات.. إلى اقتحام السينما في أفلام رعاة البقر. فيلم «الصحراء الملّونة» (1931)، فتح الباب واسعاً أمام غيبل في أدوار متنوعة مع انطلاقة السينما الناطقة مطلع الثلاثينيات. وصفته مجلّة «سكرينلاند» بأنّه «رجل خشن مفتول العضلات بلباس النوم. إنّه الجواب لابتهالات عشرة ملايين فتاة. طفل كبير يلعب بالمفرقعات الناريّة». كان على هوليوود أن تستثمر نجاحات هذا الممثل وشعبيته، فاستدعته شركة «إم.جي.إم» للوقوف أمام غريتا غاربو في «ارتقاء وهبوط سوزان لينوكس» (1931). وقد حصد الشريط نجاحاً ساحقاً. مكابدات طويلة إذاً خاضها كلارك غيبل قبل أن يصل إلى القمة ويصبح أحد أشهر الرجال في العالم، ويكسب ألفي دولار أسبوعياً، لكنّ هذه الشهرة لم تمنع والده من النظر إلى التمثيل كمهنة المخنّثين. وإرضاءً لوالده أذعن لرغبته، وهي الانتساب إلى المحفل الماسوني، دون أن يتخلى عن علاقاته العاطفية المتشابكة، وحياة اللهو والعبث والادمان على الكحول، ما جعل «إم.جي .إم» تنهي عقدها معه. يرصد هاريس كواليس استوديوهات هوليوود والمنافسات السرّية بينها على استقطاب النجوم، ويقتفي أثر كلارك غيبل وعلاقاته الغرامية وزيجاته المتعددة. هكذا فإنّ 60 فيلماً هي رصيد غيبل في السينما خلّفت وراءها عشرات قصص الحب الملتهبة التي سرعان ما كانت تنطفئ، وتترك آلاماً لدى معشوقاته، وخصوصاً أنّه عاصر أجمل نجمات هوليوود في عصرها الذهبي: جون كراوفورد، غريتا غاربو، كارول لومبارد، فيفيان لي، لانا تيرنر، آفا غاردنر، غريس كيلي، سوزان هيوارد، جين راسل، صوفيا لورين، ومارلين مونرو.
خلال الحرب العالمية الثانية، تحوّل ملك هوليوود إلى المجنّد كلارك غيبل في سلاح المدفعية الجوّية، وأحد مجرمي الحرب المطلوبين من النازية الألمانية، على رغم أن هتلر كان يعتبره ممثله المفضّل. وقد رصد وزير الطيران الألماني مكافأة قدرها خمسة آلاف دولار لأي طيار يُسقط طائرة غيبل، لكنّ ذلك لم يحدث خلال 670 يوماً، هي الفترة التي قضاها في الجندية.
كان على غيبل أن يشارك بـ 20 فيلماً، كي يصل إلى جائزة الأوسكار عن دوره في فيلم «حدث ذات ليلة» (1934)، أمّا بصمته التي لا تمحى من ذاكرة السينما فكانت في فيلم «ذهب مع الريح» (1939)، الذي كان حدثاً استثنائياً في حياة أميركا، حتى إنّه فاق اهتمام الناس بأخبار الحرب الدائرة في أوروبا.
برحيل كلارك غيبل إثر أزمة قلبية، انتهى العصر الذهبي لهوليوود. وكان غيبل أوصى أصدقاءه قبل رحيله قائلاً «لا أريد أن تتحوّل مراسم جنازتي إلى سيرك للمتفرجين» لكن أحداً لم ينفّذ وصيته، إذ أقيمت له جنازة عسكرية، ونكّست هوليوود أعلامها أسبوعاً.