مقالة نجوان درويش عن المجموعة القصصيّة التي حرّرتها جمانة حداد بالإنكليزيّة («كوما بريس»)، أثارت ردود فعل عدّة. زميلنا علاء حليحل يدلي بدلوه في هذا النقاش المفتوح!
علاء حليحل *
استغربتُ في البداية مقالة الزميل نجوان درويش تحت عنوان «تسلّل إسرائيلي إلى اللاوعي العربي» («الأخبار»، 25 ت1/ أكتوبر). تتناول المقالة كتاب «مدينة: قصص مدن من الشرق الأوسط» الذي حرّرته جمانة حداد (إصدار «كوما بريس»)، الذي احتوى قصة للشاعر والناقد الإسرائيلي اسحاق لاؤور. لكن استغرابي سرعان ما تبدّد، حين تذكرتُ كل أشكال سوء التفاهم التي يمكن أن تسود في العالم العربي، حين يتعلق الأمر بإسرائيل التي تحتضن تشكيلة من التيارات والآراء.
على هذه الخلفية، تبرز بالذات أهمية لاؤور وكتّاب ومثقفين إسرائيليين غيره، لا يؤمنون بالصهيونية ويبحثون عن بدائل مدنية وعلمانية للعيش المشترك في فلسطين التاريخية، بنمط الدولتين أو بنمط الدولة الواحدة. زجّ لاؤور في خانة «التقدميين من اليسار الصهيوني» هو مغالطة تظلم هذا الإنسان ومبادئه وكتاباته المناهضة للصهيونية، والداعية إلى فتح حساب نفس عسير معها. لاؤور وغيره هم شركاء لي كفلسطيني في المواقف السياسية، بحضورهم كقوة اجتماعية وأخلاقية وصدامية مقابل الإجماع الصهيوني. إلغاء هذه الفوارق داخل إسرائيل خطأ كبير، وليس في مصلحة القضية الفلسطينية أو في مصلحة مَن يزال يؤمن بمبدأ إدارة الصراعات وجدوى المضيّ قدماً في خيارات العمل الميداني والفكري.
أنا لا أخجل كفلسطيني من أن أقول إنّني أحتضن لاؤور وأمثاله؛ يهوديتهم ليست عائقاً في نظري بأن يكونوا مخلصين لقضيتي مثل فرنسيين أو أميركيين أو جنوب أفريقيين. مشكلتنا الأساسية مع الصهيونية لا مع اليهودية، وإذا فقدنا هذا التمييز فإننا نخسر قدرتنا على قراءة الواقع كآلية أساسية في المواجهة. هل هذه القوى مؤمنة بحذافير الحلّ الذي نريده؟ على الأغلب لا؛ لكنهم يؤمنون بالأخلاقيات الأساسية التي تجمعهم بنا: الحلّ العادل والمنصف للمسألة الفلسطينية، إلى جانب قضية اللاجئين والقدس. هذا ما جعل الراحل محمود درويش ينشر مقالات عديدة للاؤور في مجلّة «الكرمل» الفلسطينية.
تل أبيب قامت على أنقاض يافا والشيخ مونس وجريشة والمسعودية وسلمة، وأحياء عكا الجديدة امتدت وتوسّعت في السنوات الأخيرة على أنقاض المنشية والسميرية؛ كل إسرائيل قامت على أنقاضنا، فماذا نفعل؟ هذه معضلة حقيقية لا أنكرها بأي شكل، وفي قلب الصراع العنيف الدموي تصير أماكن ذات دلالة أكثر من غيرها: تل أبيب هي قماشة حمراء وهذا صحيح؛ لكنها ليست سبباً لمنع مشاركة لاؤور في المجموعة.
التطبيع يسعى إلى تحويل إسرائيل ومشاريعها الاحتلالية والصهيونية إلى جزءٍ شرعيٍّ من المشهد العربي، ولذلك نرفضه ونحاربه جميعنا؛ لكن حضور لاؤور ومن مثله في كتاب يجمع عرباً ليس تطبيعاً في نظري، لأنّ لاؤور لا يكتفي برفض مشاريع إسرائيل التوسّعية والاحتلالية، فحسب، بل يحاربها بمثابرة وبوعي كبيريْن.
في لقاء صحافي سابق قال لاؤور عن الإشكاليات التي يواجهها هو وأمثاله في المجتمع الإسرائيلي الصهيوني الذي بناه الآباء الصهاينة لهم: «أنت تُولد إلى داخل هذا، هذا هو المفهوم ضمناً الذي بُني من أجلك. هذا أنتَ، كإسرائيليّ، ويجب أن تواجهه من خلال مواجهتك لمسألة فلسطين (...) كل شيء ينهار هنا، ونصل إلى مأساة وجودنا: عدم القدرة على تسوية ماضينا الصهيوني، على الانعتاق من السلسلة الصهيونية، أن ندير ظهرنا لما فعله آباؤنا.»
أليس هذا ما نطلبه من كل إسرائيليّ؟
* كاتب فلسطيني مقيم في عكا


بيان «كوما بريس»

في الإشارة إلى بعض التعليقات التي صدرت حول أنطولوجيا «مدينة»، والمتعلّقة بإدراج قصة لكاتبٍ إسرائيلي فيها، يودّ الناشر أن يوضح أن طلب ورود قصة لكاتب إسرائيلي يعود إليه، لا إلى معدّة الكتاب جمانة حداد. وقد عارضت جمانة حداد بشدّة طلب الناشر هذا منذ البداية، وآثرت التخلي عن المشروع، مؤكدة أنها كموقف مبدئي ترفض حتى المشاركة في أمسيات شعرية عالمية إذا كان هناك بين الشعراء المشاركين إسرائيليون. فكم بالأحرى في كتابٍ من إعدادها وتقديمها. إلى أن اقترح الناشر عليها أخيراً اسم الكاتب اسحاق لاؤور، لأنه حظي بتوصية مجموعة كبيرة من المنظمات المؤيدة للقضية الفلسطينية، ولأن طلب إدراج قصته نال أيضاً تأييداً من الكاتب الفلسطيني المشارك في الأنطولوجيا علاء حليحل، وذلك بمعرفة جميع الكتّاب الآخرين المشاركين، وبسبب انتقاد لاؤور بلا هوادة للحكومة الإسرائيلية والإيديولوجية الصهيونية في كل كتاباته، من مقالاته الصحافية إلى شعره، منذ العدوان على لبنان في 1982 حتى اليوم. أما قصّته المذكورة، «التهاب السحايا»، فهي هجوم ضار على وحشية المنطق العسكري الإسرائيلي وسخافته. وقد أبلغ الناشر جميع الكتّاب المشاركين في الأنطولوجيا بمشاركة هذا الكاتب الإسرائيلي معهم في المجموعة قبل طباعة الكتاب.
را بايج ــــ مؤسس «كوما بريس» (بريطانيا)