قريباً في الأسواق وعلى الشاشة ليال حداد
في البدء كانت النكبة. والنكبة تلتها نكبات، حوّلت حياة الفلسطيني إلى قصّة لجوء وهروب مستمرّين. من نكسة الـ67، وصولاً إلى نهر البارد (2007)، مروراً بألمانيا والعراق والكويت وتلّ الزعتر ومصر وصبرا وشاتيلا... اثنا عشر تهجيراً عاشها الفلسطيني، ووثّقتها بيرلا عيسى وأصيل منصور وآدم شابيرو في «سيرة لاجئ» الذي يمتد إلى ستة أجزاء. انطلقت قصّة هذه السلسلة الوثائقية في عام 2006. يومَها، قصدت عيسى وشابيرو، الحدود السورية ـــــ العراقية والحدود السورية ــــــ الأردنية، للعمل على ملفّ فلسطينيي العراق الذين هُجِّروا إلى الصحراء، إثر الغزو الأميركي عام 2003. وخلال التحقيق، أوضحت الأمم المتحدة لعيسى وشابيرو، أنه لا أمل لهؤلاء الفلسطينيين بالخروج من الصحراء، رغم أن لاجئين آخرين من قوميات وجنسيات مختلفة، تمكّنوا من السفر إلى الدول الغربية. لم يستسلم الثنائي. حمل شابيرو الملف وعرضه على أحد الصحافيين التشيليين، ثم طرحه هذا الأخير على سيناتور تشيلي. وبعد مشاورات طويلة، قررت التشيلي استقبال عدد من اللاجئين، وكذلك فعلت البرازيل.
بعد سنة على هذه الحادثة، قرر المخرجان الشابان ـــــ ومعهما أصيل منصور ـــــ الشروع بتصوير وثائقي «موجّه إلى الفلسطينيين بالدرجة الأولى»، يعرض آراءهم في مختلف مواضيع حياتهم الشائكة، من النكبة وحق العودة إلى العيش في المخيّمات...
هكذا، ينطلق «سيرة لاجئ» في عام 1948. ويروي فيه فلسطينيون من العالم، المآسي التي عاشوها، والطريقة التي هُجِّروا فيها من قراهم تحت تهديد الإبادة الجماعية. يتذكرون حياتهم في المدن والقرى الفلسطينية، ويتوقفون عند صيد السمك إلى بساتين الليمون والمدارس... فيما يذكّر الجزء الثاني من الوثائقي بعمليات التهجير التي تعرّضوا لها من مختلف الدول العربية والغربية التي لجأوا إليها.
وبينما يقدِّم القسمان الأولان («يوميات النكبة» و«النكبات اليومية») عملاً توثيقياً للمأساة الفلسطينية عبر رصد تجارب شخصية، تبدو مادة الجزءين الثالث والرابع («وطن بلا هوية» و«هوية بلا وطن») أكثر واقعية.
فيهما، يتحدّث لاجئون عن معاناتهم في الدول التي لجأوا إليها من الناحية القانونية ومن الناحية الاجتماعية: في لبنان، لا يحقّ للفلسطيني تملّك منزل ولا مزاولة أي مهنة لها نقابة. وفي مصر، لا يحقُّ للطفل الفلسطيني التعلّم في المدارس الخاصة، ولا يحقّ للطلاب الجامعيين دخول «كليات القمة الخمسة» أي الطبّ وطب الأسنان والصيدلة والهندسة والعلوم السياسية. أما في الأردن فلا يحقّ للفلسطينيين الذين يمثّلون نصف الشعب، تمثيل برلماني عادل...
أما المخيمات التي أصبحت مع الوقت «الوطن الثاني للفلسطينيين»، فتمثّلُ محور الجزء الرابع الذي يضيء على الظروف السيئة والتمييز الذي يعيشهما اللاجئ. تختلف الآراء في هذا الموضوع، فبينهم من يؤيّد تحسين ظروف اللاجئين حفاظاً على الذاكرة، ومنهم من يؤكّد ضرورة تحسين الوضع «احتراماً لحقوق الإنسان وللإنسانية».
أما «حكي العودة» و«عودة الحكي»، وهما الجزءان الخامس والسادس، فيطرحان موضوعي «حق العودة» والتمثيل الفلسطيني في دول اللجوء. هكذا، يحاول الوثائقي من خلال الحلقات الستّ، الإحاطة بمشاكل القضية «كي يعرف كل فلسطيني طريقة حياة الفلسطيني الآخر وتفكيره»، توضح عيسى.
غير أنّ «موضوعية الوثائقي وتجرّده» تخرقهما آراء المخرجين بوضوح. ففي الجزء الرابع، تتحدث عيسى ومنصور عن موضوع تجنيس الفلسطينيين بصفته حلاً ضرورياً، «كي يتمكّنوا من النضال لتحصيل حقوقهم بعودتهم إلى وطنهم بطريقة أفضل». فتسخر عيسى من مقولة أن إعطاء الفلسطيني جنسية سينسيه وطنه، «أنا فلسطينية وأحمل الجنسية اللبنانية ولم أنس يوماً حق العودة». فيما يسأل منصور عن الطريقة التي يكون فيها الفلسطيني أقوى «في المخيّم، في العالم العربي كلاجئين، أم إذا اكتسبوا جنسيات من الدول التي لجأوا إليها؟».
كذلك فإنّ موجز الأجزاء الستة، يعلن موقفاً سياسياً للمخرجين «وهو غير مقصود» كما تقول عيسى. إذ تظهر لقطة للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، معلناً أنّ منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الوحيد والشرعي للفلسطينيين في العالم. وتليه صورة عدد من اللاجئين ينفون صحّة هذا التصريح. غير أن الجزء الأخير من الوثائقي الذي يعالج هذا الموضوع، يُظهر أن هذه الإجابات مجتزأة. ذلك أنّ قسماً كبيراً من اللاجئين صرّحوا بأن المنظمة هي التي تمثّل الفلسطينيين.
والتمويل؟ كان من جهات فردية ومؤسسات خاصة، «وساعدتنا كل المؤسسات الفلسطينية التي قصدناها، كذلك قدّمت لنا الأونروا أرشيف الصور».


على الهامش

يوم اكتشفّتُّ أنني فلسطينيةلم تشعر ابنة الثانية والثلاثين عاماً، يوماً بنقص في الانتماء، فهي لبنانية «وإذا عدنا إلى فلسطين ومنعنا من دخول لبنان، فسأقوم بالنضال نفسه الذي أقوم به اليوم، لتحصيل حقي بالعودة إلى هنا». والنقص في الانتماء الذي يعيشه اللاجئون في المخيمات، «يقهر» عيسى: «فمن حقّ هؤلاء الانتماء إلى لبنان. هنا ولدوا وهنا عاشوا، وعدم الانتماء إلى لبنان ليس إنسانياً». تدرك الشابة أنّ حالتها مميزة بين الفلسطينيين بسبب الجنسية اللبنانية، «إلا أن هذا التميّز لا علاقة له بما قمتُ به... بل لأنني ولدت هكذا، مع جنسية لبنانية». تعترف عيسى بالانتقادات التي تلقّتها مع بدء العمل على الوثائقي: «الجميع يقول إنني أحلم بأمور لن تحصل، لكنني أؤمن بأن الأمور ستتغيّر ويجب علينا نحن، أي الفلسطينيين، أن نتحرَّك لتغيير الواقع». تعمل عيسى على عرض هذا الوثائقي في مختلف المخيّمات اللبنانية، وسافرت الأسبوع الماضي إلى الولايات المتحدة الأميركية لعرضه على الجالية الفلسطينية، «الهدف الأساسي هو خلق حلقة نقاش بين الفلسطينيين بعد مشاهدة الوثائقي». وإضافة إلى بيرلا عيسى، شارك في إخراج الوثائقي وإعداده كل من الفلسطيني ــــ الأردني أصيل منصور، والناشط الأميركي آدم شابيرو. ولهذا الأخير تاريخٌ في النضال من أجل حقوق الفلسطينيين. شابيرو وهو يهودي، دخلَ إلى فلسطين، واضطرت عائلته في بروكلين إلى مغادرة منزلها بعد التهديدات التي تلقتها من متطرفين يهود في الولايات المتحدة بسبب عمله في فلسطين. وكان قد شارك في تأسيس حركة التضامن الدولية، وتزوّج الأميركية ـــ الفلسطينية هويدا العرّاف.
سؤال أخير: الـDVD يطرح قريباً في الأسواق، فماذا عن الفضائيات؟ «الفكرة مطروحة، لكن لا شيء أكيداً يلوح في الأفق».