من فلسطين والعراق إلى بريطانيا وتورا بورا... رئيس تحرير «القدس العربي»، حلّ أول من أمس، ضيفاً على كوثر البشراوي في «روتانا»، متحدثاً عن «كوبونات النفط» وزعيم «القاعدة»، مغازلاً في العقل العربي أسوأ ما فيه!
محمد خير
عبد الباري عطوان لا يشبه فلسطين، لكنه بالتأكيد يشبه القضية الفلسطينية، ويعكس ما كانت عليه، وما جرى لها، وما تطمح إليه. هكذا يبدو رئيس تحرير صحيفة «القدس العربي»، وهكذا بدا أكثر وأكثر في المقابلة التي طلّ منها عبر شاشة «روتانا موسيقى»، في حوار أقرب إلى دردشة منمّقة وحميمية، «خاضته» بهدوء التونسية كوثر البشراوي. فأضفت على لقاء «ضدّ التيار» جوّاً أقرب إلى التعريف منه إلى الجدل، ربما لأن المناسبة كانت إصدار عطوان سيرته الذاتية «وطن من كلمات ـــ رحلة فلسطينية من مخيم اللاجئين إلى الصفحة الأولى».
من المخيم إلى الوهم الصدّامي، من لعنة «كوبونات النفط» صدقاً أو كذباً، إلى خطايا (الشيخ) أسامة بن لادن، ومن هذا وذاك، وعبرهما، إلى المنفى مستقرّاً دائماً... كأنه الملف الفلسطيني تتقاذفه أحلام القومية الكاذبة، إلى السلفية الرجعية، ولا يحفظ أرشيفه سوى العواصم الباردة. «عشرون صحافياً» بدأت بهم القدس العربي، ولم يتغير العدد كثيراً كما قال عطوان في مقابلته، مؤكداً أن أسماء صغيرة ـــ لم يحددها ـــ أصبحت نجوماً مع «القدس العربي» عبر السنين، وزيارات لموقعها الإلكتروني تتخطّى المليوني «نقرة» يومياً. لا يبدو في الكلام مبالغة. فعلى الرغم من التحفّظات التي لا تنتهي، يندر أن لا يحتفظ صحافي أو مهتمّ أو متابع بالعنوان الإلكتروني للصحيفة اللندنية الشهيرة. النسخة الافتراضية هي العنوان الحقيقي للصحيفة، بينما العنوان اللندني (شقّة صغيرة) يبدو منفصلاً كثيراً عن السياق البريطاني. يحرّضون عليه هناك الآن ـــ كما قال أول من أمس ـــ بحجة أنه يناصر الإرهاب، هل يمنعونه مثلما هدّده الإسرائيليون من العودة مجدداً إلى فلسطين؟ كان ولا يزال رافضاً «أوسلو»، لكنها ـــ رغم كل شيء ـــ أتاحت له زيارة أمّه في غزة. إنه التناقض الفلسطيني الحتمي من جديد.
لكن التناقض الأبرز عند عطوان، وعند الموقف السياسي لجريدته، لم يكن عن فلسطين، بل عمَّن وصفهما بالشخصين المدين لهما: صدام وبن لادن. إذ هو واحد من ثلاثة، قابلوا زعيم القاعدة في تورا بورا. أما الآخران، فهما روبرت فيسك وبيتر إرنيت.
المقابلة التي حققت له اسماً «عالمياً»، ترجمت إلى 17 لغة منذ أن سجّلت منتصف التسعينيات. ويبدو أنها جعلت عطوان مديناً مرتين، مديناً صحافياً وفكرياً كذلك، تماماً كالحال مع الرئيس العراقي السابق الذي أرسل إلى عطوان خمس رسائل بخطّ اليد بعد سقوط بغداد. يتهكّم في مقابلة «روتانا»: «قالوا كيف عرف أنه خطّ يد صدّام؟ لا بدَّ أنه يحفظ الخطّ من شيكات كوبونات النفط؟». هي مزحةٌ، لكنه ليس بريئاً منها تماماً. والموقف الذي اتخذه في صحيفته تجاه صدام حسين، والذي يتّخذه تجاه «القاعدة» وزعيمها، يشيان بأنه يغازل في العقل العربي أسوأ ما فيه: الإعجاب بشعارات الديكتاتورية والرجعية، وعدم حسم موقف صريح من مسألة الإرهاب. الشارع العربي يقول أمام الكاميرات إنه ضدّ الإرهاب. لكنه ـــ في القلب ـــ يعتبر بن لادن بطلاً، وتلك هي العقدة الحقيقية التي ينمّيها خطاب «القدس العربي». ولذلك، فإن الجريدة لن يوقفها أن لا يبقى هناك «قدس عربي»، على حدّ قول عطوان رداً على سؤال من البشراوي، فقد استمرَّت «بعد إعدام صدّام، على رغم أنهم قالوا إنها تعتمد على نظام صدّام».
استمرار «القدس العربي» صحيفة عربية مقروءة ومتميزة هو مكسب بكل تأكيد، لكن استمرار خطّها السياسي على منوال «اللعب على الرائجة»، بحجّة «التعبير عن الأغلبية الساحقة من الأمّة» كما قال عطوان في المقابلة، يعني ببساطة، أن يتشارك وتلك «الأمّة» رجوعها إلى الخلف.