strong>بيار أبي صعب اللقطة الأولى تذكّرك بسينما تعرفها وتحبّها. كأنك في أحد أفلام غودار. كاترين (دونوف) في العمق، نراها من الخلف تنظر عبر الواجهة المطلّة على المدينة. «أريد أن أرى» تقول. شخصيات في شبه ظلمة، تزرع الكادر جيئة وذهاباً. صوت المتحدث أيضاً من خارج الكادر (بالفرنسيّة): «ليس هناك ما يمكن رؤيته... لقد بدأنا إعادة البناء، هناك الورش والردم، واليونيفيل وحزب الله... لن يمكنك أن تشاهدي شيئاً». هواة السينما سيستعيدون بلا شكّ فيلماً فرنسيّاً أثيراً من «الموجة الجديدة». ألان رينيه مصوّراً نص دوراس «هيروشيما... حبيبتي». كيف بوسعنا أن نرى الكارثة؟ كيف نستعيدها؟ الكارثة هنا هي العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف 2006. «بنت جبيل حبيبتي» إذاً؟ وكاترين دونوف ـــ النجمة الشهيرة، بطلة بونويل وغاريل ـــ تمثّل في إدارة مخرجين لبنانيين من الجيل الجديد، خليل جريج، وجوانا حاجي ــــ نوما. يا للمعادلة الجميلة. كاترين تريد أن ترى. وعنوان الفيلم «بدي شوف». في بعض أعمالهما السابقة كـ «الفيلم الضائع» (2003)، كما في تجاربهما البصريّة والتجهيزيّة الأخرى، يلعب خليل وجوانا على ذلك الخيط الواهي بين ما هو واقعي وما هو من نسج الخيال، يقفان عند الحدود الفاصلة بين التسجيلي والروائي. وهذا ما يحاولانه هذه المرّة أيضاً: ربيع مروّة بطلهما المفضّل سيقود زميلته إذاً لترى. من الضاحية إلى بنت جبيل. من المفروض أننا لا نعرف متى يتبع الممثلان سيناريو محدداً، ومتى يرتجلان: الشاب الجنوبي الذي يحمل من جراح الحرب والاحتلال ما يحمل، والنجمة الفرنسيّة التي تريد أن ترى مسرح الفاجعة الذي لا يصوّره التلفزيون. لكن مع تقدّم الدقائق، يبدو كل شيء مدبّراً، وتظهر الخيوط غليظة... تحكم على اللعبة بالثقل والفشل. كل مشاكل الفيلم الأخرى نابعة من هنا. إنّه صدفة فارغة، لكي لا نقول إنها تحتوي على مادة مسمومة.
كل شيء مدبّر ليخدم الكليشيهات المهيمنة. في الضاحية يضرب «الأشرار» (نسبة إلى محور الشرّ) الكاميرا مرّتين، ولا يسمحون بالتصوير. (هل هذا مشهد عفوي؟). أما «الأخيار» ـــ أي الجيش الإسرائيلي ـــ فيمنحون اليونيفيل ذلك الإذن بلا عناء، لكي يمشي بطلانا من دون أي جدوى على طريق هابطة ويدلّنا ربيع منها على «إسرائيل». الغارة الوهميّة التي تصيب دونوف بالهلع مضحكة، ومشهد الذعر من الألغام مفتعل... وعلى الطريق لافتات البروباغاندا (احزروا لأي حزب!) تبالغ في «تزيين» المشهد. الحوار مسطّح، مدّع، يثقل على الفيلم. «الفاعل»، أي مرتكب الجرائم الهمجيّة، مستتر (هل كانت كارثة طبيعيّة؟). وكاترين تتثاءب وتنام وتحكي عن ضرورة وضع حزام الأمان. لكنّها لا تسأل، ولا تنظر، ولا تبدي أي انفعال. حتّى مشهد بنت جبيل، حيث ربيع مروّة يبحث عن بيت جدته فلا يتعرّف على الحارة من أساسها، لا يفضي إلى مكان. بعد تمّوز غسان سلهب صوّر ورش رفع الركام، وماهر أبي سمرا تبع امرأة تدخل بيتها بعد الغارات، ومحمود حجيج عاد إلى بيت أبيه الذي يحمل بصمات همجيّة الغزاة. فماذا جاء يفعل الثنائي جريج/ حاجي ـــ توما هنا؟ ولماذا أقحما كاترين دونوف في هذا المغطس؟ كي نستمع إلى ربيع مروّة في طريق العودة، يقول بالفرنسيّة والفصحى مقطعاً من فيلم «جميلة النهار» (بونويل/ بطولة دونوف)؟ أو يستعيد نظريّة المدينة التي يطمرها البحر؟ أم لنصل إلى مشهد النهاية، حيث يظهر السفير الفرنسي إيمييه ضيف شرف الفيلم، في حفلة خيرية حقيقية جاءت دونوف ترعاها في فندق الـ «فينيسيا» من أجل «هؤلاء اللبنانيين الطيبين»؟
بين أفلام الثنائي التي لها علاقة بالموضوع، نفضّل شريط «خيام» (2000). أما «كاترين»، لو شاءت أن ترى حقّاً، فكان ينبغي أن تذهب إلى الضاحية مع ماهر أبي سمرا، وإلى بنت جبيل مع محمود حجيج. غودار وآلان رينيه؟ فيليب عرقتنجي ماكسيموم! ليت «بدي شوف» وصل إلى مستوى «تحت الأنقاض»...

إبتداءً من اليوم في صالات «أمبير» : www.circuit-empire.com