مروان عبد العاللم يقصد سليم البيك في نصوصه المنشورة بعنوان «خطايا لاجئ» (دار كنعان ـــ دمشق) أن يذيع رسالة غفران. حتى ولو بدأ كتابه بالاعتراف بالذنب. وإن صدّق القارئ أنه أمام نص يحمله إلى كرسي الاعتراف، ليدرك لاحقاً الخديعة الكبرى: الخطايا ليست سوى أحلام لاجئ، فقد قصد أنّ أحلام اللاجئ، في نظر المذنب الحقيقي، ليست سوى خطيئة استحق عليها ألوان التشرد والهجر والحرمان. وأي أحلام تلك الممزوجة بطعم الشهوة المر في اللجوء المعتق. هي نصوص في فسيفساء الروح رصعت بخزف جميل على رقعة الغياب المقيم على جنبات حياتنا، وفي عقولنا، فصاغها على صفحات كتابه. هي غليان في بركان وجداني عميق، استطاع أن يبوح به إلى العلن، وعن عشق لطقوس وطن متخيل، لم يعش فيه ولم يتنشق نسمة من هوائه. لكن الحنين أقوى من المنفى، والإرادة تنتصر على عقوبة الغياب. لقد اتّبع أسلوباً جميلاً رشيقاً وشفافاً، للتعبير عن ذاته وذوات اللاجئين من وطنهم، وكأنه يعود بنا من ضياع طال إلى وطن ينتظر.
لقد عبر الكاتب بالفكرة إلى فلسطين، تخيّل المشهد بتفاصيله، وصل إلى برتقاله وليله ولون سمائه من خلال جليلياته، ويتبين ذلك بقوله: «وأنت تعرف أن الليل، وإن احتواه العشق، لن يخالف قوانين الخالق ليجامل هذيان عاشق». فيسمو بأفكاره نحو الاحتواء الإيجابي، تصير فيه فلسطين أنثى ومعشوقته الأكبر والجليلية من ضلعها وصورتها الأجمل. لقد استخدم الرمز للتعبير عن شغفه بها، سواء بامرأة حقيقية أو متخيلة. وهنا لا بد من التحذير من مغامرة الوقوع في تقليدية احتواء الوطن بصورة المؤنث، التي حوّلها جزء كبير من الأدب إلى محاكاة ذكورية لوطن مغتصب! وكذلك على التكرار الذي حصل مع بعض الألفاظ مثل الجليل التي تكررت 30 مرة في النصوص. كان بالإمكان استعارة رموز جليلية تؤكدها لا تكررها. أما بالنسبة للبناء الأدبي الفني للنصوص، فاستطاع الكاتب تطويع الصور الجميلة لخدمة النصوص، من استعارات وكنايات وتشابيه، أجملها حين يقول: «بعد أن ملّني الأمل وهجرني وصرت لاجئاً مرتين، بعد أن وبخني».
يتعدى الكاتب حدود الأدب إلى كوكبة التفاعل الأنساني العميق بقوله: «كانت تذهب إلى البيارة لتعشق برتقالة، تقبلها فتتفاعل القطرات الحامضة مع شفاهها الحلوة» ولا تغيب الاختلاجات النفسية التي تكشف حقيقة الروح المغتربة وذهنية الإنسان المقتلع في التصعيد النفسي بقوله: «الصبيهة نرجسية.. وأنا نرجسي». وفي الوصف العاطفي بأسلوب جمالي أنيق، حين يصف النفس بخفقان يصعد ويهبط من شدة النشوة بالحب، مستخدماً الحمامتين كرمز جميل للتعبير عن سلام حبه بقوله: «ترقدان ناهضتين على صدرها تنبضان وتشهقان بتوتر هبوط وصعود الروح إلى السماء».
إن جماليات هذه النصوص جعلت هذا العمل يؤدي غرضه الفعلي، وإن كان للعبارات مكانتها ودلالاتها ولكن لحمتها الداخلية أكثر، كان سيكمل المهمة ويزيدها رونقاً، كونه يرى هذا الكتاب عملاً أدبياً ناجحاً عبر عنه الكاتب بطريقه خاصة ورائعة.
وما لم يعرفه الكاتب قبل كتابة هذا السطر، أنّ هذه الباكورة الأدبية أكدت لي حقيقة «أن أحلامنا جمر تحت الرماد»، فقد قدم لي المخطوطة مشكوراً قبل نشرها، لم أقرأها، بقيت في جهاز الكومبيوتر في البيت الذي أكلته النار مع كل ما فيه من خطايا.