جورج موسىرمضان 2008 حافل بالمفاجآت. السارّة؟ ربما، لكنها حتماً جذريّة. فإذا كانت أغلب الإنتاجات الدرامية، تنحصر في هذا الشهر، وهو واقعٌ تكرّس عاماً بعد عام، ليترك فراغاً كبيراً باقي أشهر السنة... فإن المنافسة هذا العام تتّخذُ أبعاداً مختلفة. والدليل أن أبرز الفضائيات العربية (mbc مثلاً) لم تُعلن حتى الساعة توقيت عرض برامجها، في انتظار أن تكشف بقية المحطات عن برمجتها. ومع انحسار موجة «تلفزيون الواقع»، عادت المسلسلات لتحتل الصدارة في المشهد التلفزيوني. تعزُّزها هذا الموسم أيضاً، فورة فضائيات مفتوحة متخصّصة بالدراما.
ومع ذلك، تكمن المفارقة هذا العام، في تراجع الاهتمام بالواقع العربي الراهن، وبكل ما يختزنه من تحوّلات مفصلية تشهدها المنطقة. يترافق ذلك مع تعاظم الترويج لقيم غابرة، وعادات وتقاليد من زمن آخر! أليس لافتاً أن تحتلّ الدراما البدوية الواجهة في رمضان 2008؟ وأن يلهب المستثمر الخليجي الساحة بقصص العشق والانتقام في البادية، وتترجم أشعار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي، إلى سيناريو لمسلسل «صراع على الرمال»، بميزانية غير مسبوقة؟.
البيئة الشامية عائدة بقوّة في الدراما السوريّة، عبر أكثر من «حارة»، ومع أكثر من «قبضاي»: «باب الحارة ــــ 3»، «أهل الراية»، «أولاد القيمرية»، «الحوت»... أما في القاهرة، فالمشهد لا يختلف كثيراً: نور الشريف يستعيدُ في «أيام الدالي» حقبة ما بعد اتفاقية السلام. ويسرا تبقى بطلةً خارج الزمن «في أيد أمينة». فيما سيرة جمال عبد الناصر لم تستقبل بحفاوة: فحتى التلفزيون الرسمي لم يُبدِ حماسة لعرض «ناصر»! وفي لبنان، ستدخل الدراما المحلية بقوة ساحة المنافسة. لكن هنا أيضاً، اختار المنتجون قصةً مستلهمة من شوارع شيكاغو، تمتلئ بالمطارادات والأكشن («ورود ممزقة»)، وقصة ثانية عن «مجنون ليلى»!.
أما القضايا الاجتماعية الراهنة، فلا مكان لها ــــ إلا في ما ندر ــــ في زحمة المشاهد التاريخيّة ومسلسلات الحنين. هل السبب هو المُشاهد الذي أعلن بصراحة، في زمن الإحباطات والأحلام المؤجلة، تعبه من كل ما يحيله على الواقع، أو يوحي بشكل من أشكال المواجهة؟ هل يسعنا اعتبار الاسترخاء في أحضان الماضي خياراً يحقق الإجماع؟ أم أنه المنتج، أوّل المعنيين بمراعاة مزاج عام لم يعد يحتمل الهزّات العنيفة؟ ربما هذا أو ذلك معاً... لكن من المؤكد أن الدراما العربية تسهم في تغريب المشاهد عن مجتمعه، وتتحول تدريجياً إلى نمط جمالي، لا يبيع سوى الأوهام والترفيه.
بقي أن نذكر أن موسم 2008 سيبقى استثنائياً، لكونه الأول بعد إقرار وثيقة تنظيم البث الفضائي. وثيقةٌ قد تؤدّي دوراً في تحديد سقف المواضيع التي ستطرح لاحقاً، راسمةً خريطة جديدة لإنتاجات 2009 وما بعد.
والأهم من كل ذلك، أن هذا العام يعدّ مرحلةً تمهيدية لنقطة تحوّل في المشهد الفضائي العربي: الدمج بين LBC الفضائية و«روتانا»، وخطة التغيير الشاملة التي بدأت على شاشات الشبكة السعودية («روتانا خليجية» ستتحوّل في رمضان إلى قناة للمسلسلات)... ستعيش مواجهة حامية، مع مشروع إعلامي يجري الإعداد له بهدوء في الكوليس: إنه تعاونٌ ضخم بين art وmbc، سيبصر النور قريباً عبر قناة «الغالية»...
في انتظار ذلك، يقترح هذا الملف جولة على أبرز المسلسلات السورية واللبنانية والخليجية والمصرية. علماً أن ما نقدّمه هنا، ليس سوى غيض من فيض البرامج والمسلسلات التي سنعود إليها جملة وتفصيلاً.