السلطة والحاكمية والمقاومة وحالة الاستثناء في الوطن العربي» عنوان ندوة استضافتها الجامعة الأميركيّة في بيروت، وشارك فيها مفكّرون وباحثون وأدباء، بينهم سمير أمين وأدونيس
ديما شريف
يصل مدير المشاريع في «مؤسسة هنرش بُل»، هايكو هايمن، على دراجته الهوائية إلى الجامعة الأميركية في بيروت، وينضم إلى سمير أمين بصندله وقميصه المزركش وأوراقه، والطاهر لبيب مع حقيبته الدائمة وبساطته المحببة، وزملاء هذا الأخير من علماء اجتماع في العالم العربي للمشاركة في ندوة «السلطة والحاكمية والمقاومة وحالة الاستثناء في الوطن العربي» التي استضافتها الجامعة الأميركية في بيروت، من تنظيم «دائرة العلوم الاجتماعية والسلوكية» في كلية الآداب والعلوم التابعة للجامعة، بالاشتراك مع «الجمعية العربية لعلم الاجتماع» و«مركز دراسات الوحدة العربية»، وبالتعاون مع مؤسسة «هنرش بُل».
اتّسم النقاش، طوال جلسات الندوة (29 و30 آب/ أغسطس الماضي)، بالطرح الجدي، رغم طغيان نزعة تسووية على بعض المداخلات، وانزلاق مداخلات أخرى إلى تأويل سطحي فئوي لبعض الأحداث التي شهدتها بيروت الربيع الماضي. بعض الباحثين جاء ليقول لنا عدم جدوى المقاومة والممانعة في مواجهة سلطة مؤدلجة مرتبطة عضويّاً بالعنف والدين... علماً بأن المناقشات لن تأتي بأيّ جديد في ما يخصّ المآزق السياسية والاجتماعية التي تتخبّط فيها المجتمعات العربية.
افتتح الندوة المفكّر المصري سمير أمين، مستبعداً نمو الرأسمالية في الأطراف، وأكد أن الحداثة ما زالت مبتورة لارتباطها بالرأسمالية. وتمحورت الأوراق المقدمة حول مفهومي الحاكمية لدى فوكو، وحالة الاستثناء التي تناولها كارل شميت أولاً وفصّلها جورجيو أغامبن بعده. ثم تنقّل الحضور مع الباحث اليساندرو فيتي (أستاذ العمارة في الأكاديمية الدولية للفن، فلسطين) بين القدس، بغداد، ودبي كفضاءات استثناء، حيث تُفتت الحاضرة وتُعزل أقسامها، عبر بناء جزر استيطانية معزولة عن محيطها، ما يخلق جغرافيا جديدة. ودخل المشاركون مع ساري حنفي إلى المخيّمات الفلسطينية في لبنان التي صارت فضاءات خارجة عن القوانين.
وبينما طرح أحمد موصلّي إشكالية الإسلام والعولمة، مشدداً على أن الإسلام يتعولم، جادله فالح عبد الجبار بأنّ الإسلام الراديكالي كحركة سياسية هو الذي يتعولم، ويمكن اعتباره اليوم نزعةً قوميةً. من جهتها، تناولت ندى غندور موضوع اللاعنف كوسيلة للمقاومة واستراتيجية سياسية. وطرح في هذا الإطار الطاهر لبيب تساؤلاً عن عنف اللاعنف وإمكان تحوله إلى صيرورة فكرية أو عجز تاريخي. وقد أثارت مداخلة منى أباظة عن الاحتجاجات الأخيرة في مصر، وغياب الأحزاب السياسية عنها، ردود فعل من المشاركين بسبب ما رآه بعضهم مغالاة من جانبها في التشديد على أهمية وسائل الإنترنت في دعم تلك الاحتجاجات. وبينما اتّسمت مداخلة دينا مطر عن وضع الإعلام في سوريا بمهادنة النظام، جاءت مساهمة برهان غليون بمثابة ردّ غير مباشر على مطر. فالمفكر السوري المقيم في باريس، يشير في الورقة التي أرسلها إلى الندوة إلى أنّ الانفتاح الإعلامي في سوريا «يمثّّل عنفاً لامادياً عبر تطوير ثقافة تُصوِّر القمع عند الجمهور كأمر طبيعي».
أما لينا الخطيب التي تناولت التعبير عن فضاءات الاستثناء في بيروت والقاهرة ودبي، عبر صور الزعماء، فرأت أنّ «حزب الله ارتكب المجازر في بيروت التي اجتاحها لوجود السنّة فيها»، ما استدعى رداً من هايكو هايمن الذي رفض تشبيه ممارسات حزب الله بمجازر صبرا وشاتيلا والكرنتينا. أما حيدر إبراهيم، فأكد أنّ المجتمع المدني العربي يمثّل حالة استثناء، كونه مصطنعاً بسبب غياب المنظّرين ومقوّمات المقاومة. وكانت مداخلة أدونيس مسك ختام الندوة. وصف الحركة الثقافية العربية، بدءاً من القرن التاسع عشر، بأنها كانت، حركة من الممانعة، لكن بعض الجماعات وصل إلى السلطة باسم الممانعة، ثم تصرّف مثل القوى التي عارضها. وقال إن الحركات الثورية العربية في النصف الثاني من القرن المنصرم، تجسّدت في أنظمة طغيانية، وأن التعددية الثقافية العربية هي تعددية تنابذية إلغائية. وخلص إلى أنه لا مفرّ للعرب من الفصل الكامل بين الديني والسياسي. وقال: «لا بد من نشوء ممانعة تتجاوز السياسة إلى الثقافة في مختلف أبعادها»!