لم تعُد الفضائيات تحتمل كل تلك الخسارات التي تسببها مواقع عرض الأفلام والبرامج على الشبكة العنكبوتية... والحلّ؟ تعاون «مثمر» بين القنوات التلفزيونية و«يوتيوب»، يضمنُ الربح للطرفين، ويُفقد المستخدم متعة التحكّم بما يشاهده!
محمد خير
لقطات الفيديو التي تحبّها كثيراً والتي شاهدتها مراراً على شبكة الإنترنت، ووضعتها في القائمة «المفضّلة» في حسابك لدى «يوتيوب» أو «دايلي موشون»... اختفت فجأة من دون سابق إنذار، وتركت لك حسابك خاوياً! بلى، تلفزيون الإنترنت يفقد أفضل مميزاته: تحكُّم المستخدم في ما يشاهده. لشركات الميديا أذرع (افتراضية) طويلة، امتدت أخيراً إلى شاشات الكومبيوتر، لحجبها عن جمهور الإنترنت. وذلك لمنع كل من «تسول له نفسه» متابعة مواده المفضلة التي حجبتها عنه اتفاقات الاحتكار، وتعاقدات أصحاب «الكابل» التلفزيوني.
تتفق معظم الشركات التي توفر خدمة محرّك البحث على الإنترنت، في أن العائق التي تواجهه هو سيطرة «غوغل» على عالم البحث الإلكتروني. ليس فقط لأن «غوغل» يوفّر أكبر قاعدة بيانات، أو إلى شعبية المحرك الذي أدخل كلمة جديدة في القاموس، في صيغة السؤال: هل «غوغلت» المعلومة؟ (أي هل بحثت عنها في «غوغل»؟)... إذ إن العائق الأكبر أمام هذه الشركات، كما يصرح مسؤولوها مراراً، هو فعلياً أن الجمهور لم يعد يجرّب غير «غوغل» التي تمتلك «يوتيوب».
يمكن التأكد من ذلك ببساطة، إذا تذكّر القارئ عنوان صفحته الرئيسية (home page) على حاسوبه الشخصي: إنها «غوغل» غالباً! تلك الصفحة، فضلاً عن أهميتها وبياضها المريح للعين، هي أيضاً سريعة الفتح، بما لا يقارن بغيرها من المواقع الشهيرة مثل «إم إس إن» أو «فايسبوك». لا يعود ذلك فقط إلى بساطة الصفحة وخلوها من زحام البيانات والصور. ولكن أيضاً لأن شركة «غوغل» تملك مكاتب رئيسية في معظم أنحاء العالم، تعمل على تحسين الخدمة ودعمها.
ولكن، ما علاقة كل ذلك بحقوق البث ونفوذ الشركات المنتجة للميديا؟
بسرعة كبيرة، تحوّل جزء كبير من عمليات البحث عن البيانات على الشبكة العنكبوتية إلى بحث عن المواد السمعية والبصرية. ما دفع بالكثيرين من رموز سوق الحاسوب في العالم، إلى توقع اختفاء التلفزيون التقليدي خلال سنوات ليست بالكثيرة. إذ إن ظهور مواقع عرض الفيديو على الشبكة، لم يُتِح للمستخدمين فقط قاعدة بيانات هائلة للبحث عن الأفلام والأغنيات، بل أيضاً حرية عرضها في الوقت الذي يلائم المستخدم، إضافة إلى ربط لقطات الفيديو بلقطات أخرى قريبة في المحتوى، ما يتيح استعراض أكبر قدر ممكن من المواد التي تناسب اهتمامات هذا الزائر. ويتيح للموقع أيضاً أن يحصل على إحصاءات بالمواد الأكثر عرضاً، والمفضلات الخاصة بمجموعات محددة من المستخدمين. وبالتالي، عرض الدعايات المناسبة لكل منهم على حدة، وهو أمر لا يمكن أن ينافسه فيه التلفزيون التقليدي.
كل ذلك دفع بأرباب الشاشة التقليدية إلى اللجوء إلى القضاء ـــــ الأميركي خصوصاً ـــــ لمنع استهلاك المواد التي يمتلك حقوقها أصحاب الشبكات التلفزيونية. وقد انتهت معظم النزاعات القضائية لمصلحة منتجي المواد التلفزيونية بوصفهم أصحاب حقوق الملكية الفكرية للمواد المعروضة. لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، فالنزاعات لم تتوقف عند حدود الخسائر والتعويضات المالية، بل امتدت إلى حق شركات التلفزيون في معرفة نسبة استعراض موادها على مواقع عرض الفيديو، ونوعية المستخدمين الذين استعرضوا مواد هذه الشركة أو تلك وأعمارهم وجغرافيتهم، الأمر الذي تخطى صراع المال والملكية الفكرية إلى الدخول في المنطقة الشائكة، وهي «خصوصية المستخدم».
وبالسرعة نفسها التي احتدم فيها الصراع بين شركات التلفزيون الأميركية، وموقع «يوتيوب» الذي يعرض وحده ما يقرب من 40 في المئة من محتوى الفيديو على الشبكة... أدرك الطرفان أن الصراع سينتهي إلى خسارة الجميع في كل الأحوال: من دون محتوى برامج التلفزيون، يصبح «يوتيوب» مجرّد موقع لعرض لقطات الهواة البدائية والأسرية. في المقابل، فإن موقع عرض الفيديو يمثّل نوعاً من الدعاية لبرامج الشبكات التلفزيونية، من خلال تقديم لقطات الأفلام الترويجية (trailer) وغيرها من الدعايات والمقتطفات. لذا، فإن الشركات التي لا تجيد سوى لغة المال والأمر الواقع، قررت تحويل الصراع إلى تعاون، و«بدلاً من مجرد سحب الفيديو المخل بحقوق النشر»، فإن «غوغل»، «يعطي أصحاب حقوق النشر خيار وضع الإعلانات عليه وتلقي عائداتها» كما يصرح جاك ناتز، مدير تلفزيون «هيرست أرغايل» لمجلة «فوربس». لكن ما لا يذكره ناتز بالطبع، هو أن هذا التعاون المفترض يلغي الهدف من وجود محطات التلفزيون التقليدية، ويحول أصحابها إلى مجرد منتجين. ما يعني أن هذا «التعاون» بين التلفزيونات ومواقع الفيديو لن يكون بهذه البساطة. والدليل أن «يوتيوب» وغيره، يشهد يومياً إلغاء عرض المزيد من مقاطع الفيديو، وهي مشكلة قد لا تنتهي إلا بعمليات اندماج عملاقة بين شركات التلفزيون ومواقع الإنترنت.


هذا الفيديو لم يعد متاحاً

حتى وقت قريب، كانت الكثير من لقطات أفلام السينما المصرية متوافرة على «يوتيوب»، وعلى رأسها أفلام يوسف شاهين بأغنياتها الشهيرة. إلا أنها اختفت أيضاً من دون سابق إنذار أو توضيح، باستثناء رسالة الموقع المعهودة: «هذا الفيديو لم يعد متاحاً منذ الآن». أما رياضياً، فقد حُذفت جميع أهداف كأس الأمم الأفريقية الأخيرة، وهي البطولة التي احتكرت بثها شبكة «راديو وتلفزيون العرب» art. وعند البحث عن لقطات متعلقة بالبطولة التي فاز بها منتخب الفراعنة، لا يتوافر للمستخدم سوى لقطات الاحتفالات الجماهيرية المصورة بكاميرات الهواة.