اختُتمت أوّل من أمس الدورة الـ65 من «مهرجان البندقية/ فينيسا السينمائي» التي أثارت بعض الجدل بسبب تفاوت مستوى العروض المقدّمة. فيلمان نالا حصّة الأسد من الجوائز وهما: «المصارع» للأميركي دارين أرونوفسكي و«تيزا» للإثيوبي هيلي غيريما
عثمان تزغارت
أسدل الستار، أوّل من أمس، على الدورة الخامسة والستين من «مهرجان البندقية السينمائي». وأقل ما يمكن قوله إنّها كانت دورة مثيرة للجدل، بسبب تفاوت مستويات العروض المقدّمة. ولم تحظ بالإجماع سوى أربعة أفلام في المسابقة الرسمية، خرج اثنان منها بخفّي حنين، وهما فيلم الرسوم المتحركة الياباني «بونيو فوق الصخور، قبالة البحر» لهاياوو مايازاكي، و«قبلة» للجزائري طارق تيغيا. بينما نال الفيلمان الآخران حصة الأسد من الجوائز، وهما «المصارع» للأميركي دارين أرونوفسكي (الأسد الذهبي)، و«تيزا» للإثيوبي هيلي غيريما الذي كوفئ بجائزة لجنة التحكيم الخاصة وجائزة أفضل سيناريو.
لم يمثّل فوز «المصارع» بـ«الأسد الذهبي» مفاجأةً. فقد كان بمثابة الحدث الأبرز في «الموسترا» وقد استعاد فيه دارين أرونوفسكي التيمة التي صنعت شهرته، حين قدّم قبل 8 سنوات فيلمه «مرثية من أجل حلم»... وهي تيمة البطل المسحوق الذي يعرف العزلة والفشل بعدما ذاق النجاح والنجومية. وقد وُفّق أرونوفسكي في اختيار النجم ميكي رورك لأداء دور المصارع العجوز الذي أفل نجمه بعد سنين من التألق، ليجد نفسه وحيداً مع مشاكل صحية تزداد تفاقماً حين يقع في شرك إدمان الكحول والمخدرات، آملاً الإفلات من واقعه المزري.
وقد شعر كل مَن شاهد الفيلم بأنّ ميكي رورك وضع في هذا الدور كثيراً من تجربته الشخصية. فقد عرف هو أيضاً تجربة النزول إلى الجحيم، بعدما تربّع على قمة النجومية منتصف الثمانينيات، وتألق في «9 أسابيع ونصف» لأدريان لاين (1986). وجاء ذلك بعد 7 سنوات فقط من أول ظهور له على الشاشة في «1941» لستيفن سبيلبرغ، حيث لفت الأنظار وجعلَ النقّاد يقارنونه بمارلون براندو في شبابه.
كانت الثمانينيات الفترة الذهبية له، إذ مثّل تحت إدارة أكبر المخرجين، من سبيلبرغ إلى كوبولا، مروراً بألان باركر ومايكل شيمينو وباربيت شرودر. لكنّ طبعه الناري ووقوعه في الإدمان عجّلا بأفول نجمه، ولم يقدّم بعد «9 أسابيع ونصف» سوى دور بارز واحد في «الأوركيدا المتوحشة» لزلمان كينغ (1990). بينما أفلتت منه أدوار بارزة كُتبت خصيصاً لأجله، في العديد من الأفلام التي باتت من كلاسيكيات السينما، مثل «رجل المطر» لباري ليفينسون (1988) و Pulp Fiction لكانتن ترانتينو (1994).
حيال تدهور علاقاته مع الوسط السينمائي، قرّر رورك الاعتزال وعاد إلى مهنة شبابه الأصلية: الملاكمة. خاض تجربة الاحتراف خمس سنوات في النصف الأول من التسعينيات، لكنّ الكحول والمخدرات عصفتا بتلك التجربة وانقطعت أخبار رورك عشر سنوات، قبل أن يتخلّص من الإدمان، ويسجّل عودة خجولة إلى الشاشة عام 2005. لذا، يمثّل دور المصارع العجوز في The Wrestler أوّل دور بطولة مطلقة يُسند إلى ميكي رورك منذ عودته إلى السينما. وقد بلغ تألقه في هذا الدور أن رئيس لجنة تحكيم «الموسترا» هذا العام، الألماني فيم فاندرز، عبّر عن أسفه لأنّ نظام المهرجان يمنع إسناد «الأسد الذهبي» و«جائزة أفضل ممثل» إلى فيلم واحد، مؤكداً أنّ رورك «يستحق هذه المكافأة».
وقد مُنحت جائزة أفضل ممثل، إلى النجم الإيطالي سيلفيو أورلاندو، عن دوره في «والد جيوفانا» للمخرج المخضرم بوبي أفاتي. وعادت جائزة أفضل ممثلة إلى الفرنسية دومينيك بلان عن دورها في «الأخرى» L’autre لباتريك ماريو برنار وبيار تريفيدتش.
ولم يكن فيلم «تيزا» للمخرج الإثيوبي المخضرم هيلي غيريما الوحيد الذي نال جائزتين. فقد نال الفيلم الروسي «جنود من ورق» لآلكسي جيرمان «الأسد الفضي» وجائزة أفضل مؤثرات تقنية. وعلى غرار ما حدث مع «تيزا» (راجع «الأخبار» ـــــ عدد الجمعة 5 ايلول/ سبتمبر)، أثار الفيلم الذي يروي بدايات برنامج غزو الفضاء في الاتحاد السوفياتي، الجدل بسبب النوستالجيا المبالغ فيها إلى المجد السوفياتي السابق. لكنّ النقاد أجمعوا على أنّ هذا الفيلم يبشّر بميلاد سينمائي مميز.