عاش حياةً فنيةً صاخبة من التمثيل إلى التأليف الموسيقي والغناء، ووظّف فنّه في النضال ضد التمييز العنصري في أميركا الستينيات والسبعينيات. إنّه موسيقي السول والمغني الأميركي الشهير الذي رحل عن 66 عاماً
بشير صفير
رحل الشهر الماضي موسيقي السول والمغني الأميركي الشهير آيزاك هايز عن عمر يناهز الـ66 عاماً. وجِد ميتاً في شقته في مامفِيس إثر سكتة دماغيّة. رحيل هايز أحدث صدمة في الوسط الفني في العالم، ولو أنّ نجمه كان قد أفل في السنوات الأخيرة، إلا أنّ صاحب Shaft ترك أثراً لا نظير له في الثقافة الموسيقية السوداء داخل الولايات المتحدة كما في ذاكرة محبي موسيقى السول والفانك في العالم.
ولِد آيزاك هايز عام 1942 لوالدين من أصول أفريقية، وكوّن صغيراً علاقةً مع الموسيقى، حين انضم إلى كورس إحدى الكنائس (على غرار معظم السود)، قبل أن يتعلّم بنفسه العزف على البيانو والفلوت والساكسوفون. عاش هايز حياةً فنيةً صاخبة طالت التمثيل، إضافةً إلى التأليف الموسيقي والغناء، ووظّف فنّه في النضال ضد التمييز العنصري واستغلال السود في أميركا خلال الستينيات والسبعينيات. بدايته الموسيقية تعود إلى مطلع الستينيات، حين شارك في تسجيل أعمال لعدد من الموسيقيين (أشهرهم أوتيس رادينغ)، وذلك لمصلحة شركة «ستاكس ريكورد» المنتج الأميركي الشهير الذي قدّم إلى البلوز والسول والفانك ما قدّمته «بلو نوت» و«فيرف» للجاز. في عام 1969، استقل هايز الموسيقي المتمكّن والمغني صاحب الصوت الجهوري والنقي، ليصدر أوّل ألبوم خاص له عند «ستاكس» ويصبح سريعاً من أبرز نجوم هذه الشركة. إنّه ألبوم Hot Buttered Soul الشهير الذي كرّس صاحبه مؤلفاً موسيقياً وموزعاً من الطراز الأول في نمطه الموسيقي. إذ حوى العمل أربع أغنيات طويلة، مليئة بالطبقات الأوركسترالية والتوزيعات المنمّقة. لكن نجاح التجربة الأولى كما كل التجارب اللاحقة لا يضاهي العمل الموسيقي الذي ارتبط عنوانه باسم آيزاك هايز وشهرته إلى الأبد: Shaft. يعود هذا العمل الشهير إلى عام 1971، في فترة بدأ ينشأ في أميركا التيّار السينمائي الذي حمل هموم السود ومطالبهم إلى الشاشة الكبيرة، وهو الموسيقى الخاصة لفيلم Shaft الشهير (للمخرج غوردن باركس) الذي لاقى رواجاً كبيراً بُعَيد صدوره، ومنَح واضع موسيقاه وكاتب الأغاني الواردة فيه جوائز موسيقية عالمية.
بعد Shaft، أصدر هايز العديد من الألبومات أو الأغنيات المستقلة، أهمها يعود إلى العام نفسه ويحمل عنوان Black Moses، وكتب موسيقى العديد من أفلام. عاد المخرج كونتين ترنتينو واستخدم أجزاءً منها في عمله السينمائي الشهير Kill Bill (في جزءيه الأول والثاني).
علاقة هايز مع السينما والتلفزيون لم تقتصر على كتابة الموسيقى التصويرية والأغنيات الخاصة، بل كانت له مشاركات في أدوار غير رئيسة في العديد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية الأميركية (بعضها اشتهر في لبنان خلال الثمانينيات مثل The A-Team وMiami Vice)، كما أعطى صوتَه لشخصيّة «تشيف» في مسلسل الصور المتحركة
South Park الشهير بين عامي 1997 و2006.
أفول نجم آيزاك هايز منذ التسعينيات، لم يغمر أغانيه التي عادت وانبعثت من جديد في المقتطفات التي استعملها الكثير من فناني موسيقى الهيب ــــ هوب والراب ونيو ــــ روك. إذ نجد نماذج صوتية ولحنية في أغنيات لـ Dr Drey وSnoop Dogg وTricky وPortishead وغيرها من الفرق المعاصرة.
لكن للبنانيّين قصة من نوع آخر مع آيزاك هايز. إذ إنّ سماع إحدى مؤلفاته (الموضوعة الموسيقية الرئيسة في فيلم Shaft) هو نذير شؤم ومصائب بالنسبة إليهم. الكل يعرفها جيداً لكنّ قلّة تعرف أنّها لهايز: هل تذكرون «تجنغل» النبأ العاجل في إذاعة صوت لبنان؟ هناك لحنان، بينهما Shaft وهو خاص بنبأ الخبر المرعب الذي سيتناول حادثة غير عادية، بخلاف الموسيقى التي تستخدمها الإذاعة لخبر القذيفة أو الغارة العابرة التي تعود ــــ بالمناسبة ــــ إلى فرقة Tangerine Dream.