إنه «إمبراطور العقارات»، وعضو مجلس الشورى، والقيادي في الحزب الحاكم، و... المقرَّب من النظام. ومع ذلك، لم تجاهد الفضائيات المصرية لـ«استثمار» قضية هشام طلعت، المتهم بالتمويل والتحريض على قتل سوزان تميم. فما القصة؟
محمد عبد الرحمن
بخلاف المجلّات والصحف، لم تجاهد الفضائيات المصرية ــ قبل الاتهام الرسمي الذي صدر بحقّ هشام طلعت مصطفى أو بعده ــ لفكّ حظر النشر في قضية مقتل المغنية اللبنانية سوزان تميم. وإذا كانت الصحف قد انتظرت سقوط «إمبراطور العقارات» في قبضة الشرطة، لتطلق سلسلة من الحملات وتخصّص صفحات عدة لتحليل القضية وأبعادها، فقد جاء رد فعل الفضائيات وبرامج الـ«توك شو» بارداً حيال الشبهات التي تلاحق القيادي في الحزب الوطني، وعضو مجلس الشورى، وأحد المقرّبين من النظام. أزمة هشام مصطفى المتهم بالتحريض والتمويل، ومعه محسن السكري المتهم بالقتل، مرت مرور الكرام على الشاشات المصرية، باستنثاء برنامج واحد هو «القاهرة اليوم» الذي يقدمه عمرو أديب على شبكة «أوربت». هذه المعالجة جوبهت بكثير من الانتقادات، لكونها اتسمت بغياب الموضوعية، والتحيّز لطلعت.
حتى قبل صدور قرارات حظر النشر في هذه القضية، لم تستطع الفضائيات المصرية الخاصة فك القيود المفروضة عليها، ومناقشة ملابسات الحادثة بحرّية، كما فعلت مراراً مع قضايا سياسية أخرى في السابق، أي قبل أن تصدر وثيقة تنظيم البث الفضائي.
علماً أن هذه الوثيقة لم تمثّل درعاً واقياً لهشام طلعت مصطفى، قبل أن يزج اسمه في القضية رسمياً. ذلك أن برامج مثل «العاشرة مساءً» و«تسعين دقيقة»، يوم حاولت الحديث عن شائعات هروبه خارج مصر بعد إعلان مقتل سوزان تميم... خرجَ أصحاب الفضائيات التي تبث هذه البرامج، ليفرضوا على مذيعيهم التزام الصمت المطبق. حتى إن أحمد بهجت، صاحب قناة «دريم»، رد بقسوة على منى الشاذلي في «العاشرة مساءً»، طالباً عدم تحويل البرنامج إلى منصة لترويج الشائعات!.
هنا، أدرك الجمهور المصري أن أصحاب هذه القنوات (غالبيتهم من رجال الأعمال) لن يغامروا بعلاقتهم مع المليادير المعروف من أجل سبق تلفزيوني، وخصوصاً أن كل الأجواء في تلك الفترة كانت تستبعد تورطه قضائياً في الجريمة، حتى لو تردّد اسمه بقوة في الأخبار الأولى، الصادرة من دبي قبل القاهرة.
وما إن صدر قرار حظر النشر حتى هدأت الأمور على الجبهة الصحافية، وتنفَّس الإعلاميون الصعداء لأنهم وجدوا مبرراً خارجاً عن إرادتهم، يفسِّر للجمهور حذرهم الشديد من التعاطي مع هذه القضية. ثم جاءت المفاجأة الكبرى التي لم يستوعبها الرأي العام المصري بسهولة: هشام طلعت مصطفى في السجن متهماً رسميّاً بالتحريض على قتل سوزان تميم، والقرار صادر من النائب العام، فيما مكانته البرلمانية والسياسية والاقتصادية وحتى العائلية، لم تشفع له!
وعلى رغم كل ذلك، بقيَ المشهد الفضائي المصري بارداً، بل أصبح أكثر برودةً مما كان عليه قبل صدور القرار. فهذه المرة، باتت الحسابات أكثر تعقيداً: لا شائعات يمكن ترديدها ثم نفيها لكسب الطرفين (الجمهور ورجل الأعمال)، ولا تكهنات أو تحاليل خارجة عن سياق التحقيقات.
بعد إلقاء القبض على رجل الأعمال البارز، كان الحظ حليف منى الشاذلي. إذ توقف برنامجها «العاشرة مساءً» خلال رمضان. وبالتالي، خرج سريعاً من المعادلة، ولم تكن الشاذلي لتعود من إجازتها وتقدِّم حلقة خاصة، وتغيّر في برمجة «دريم» المشغولة بالمسلسلات. علماً أن الأعمال الدرامية ساعدت عائلة طلعت كثيراً على محاصرة الاهتمام التلفزيوني بالقضية والتفرغ للرد على الصحافة، من خلال سلسلة حوارات أجراها شقيقه الأكبر طارق.
أما بالنسبة إلى «تسعين دقيقة»، فقد اكتفى معتز الدمرداش بالتعليق على خبر القبض على هشام طلعت بشكل رسمي ومقتضب وكأنه يقرأ فقط ما نشرته الصحف، ثم اختفت القضية سريعاً من أجندته. وهكذا بقي في الساحة محارب واحد، لم يتعب ولم يستسلم حتى كتابة هذه السطور: إنه عمرو أديب، مقدم برنامج «القاهرة اليوم» العائد من الإجازة السنوية، آملاً أن يضرب بقوة في رمضان.
في البداية، أعلن أديب عن حوار خاص مع هشام طلعت مصطفى، تضمن استعراضاً لمسيرته الاقتصادية مع تلميح لشخصيته المتدينة، حتى إن الحوار توقف لأداء الصلاة! على رغم أن إعلان القبض على طلعت سبق بث الحلقة.
غير أن أديب لم يستسلم. وهنا، بات يحرص يومياً على فتح الملف، بشكل فاق اهتمامه بمأساة منطقة الدويقة. انفرد باستضافة عادل معتوق (زوج القتيلة ومدير أعمالها السابق)، ومحامي تميم في مصر كمال يونس، ومحامي معتوق مرتضى منصور الذي حمل على عاتقه اتهام موكله بالتخطيط لقتل الفنانة الراحلة! وعلى رغم أن أديب حاول إدارة الحوار بحيادية، شدّدت معظم الانتقادات على أن الحلقات هدفت إلى التخفيف عن هشام طلعت مصطفى وتحويل الأنظار صوب عادل معتوق، لعل الرأي العام يقتنع بأن في القضية أطرافاً أخرى.


«ماسبيرو»: لا لوجع القلب

قبيل صدور القرار الرسمي باتهام هشام طلعت مصطفى، أدّى التلفزيون المصري دوره المتوقع، واستضاف رجل الأعمال مرتين في يوم واحد: «صباح الخير يا مصر» و«البيت بيتك». بدا واضحاً أن طلعت لم يكن ليغامر ويجلس أمام منى الشاذلي أو معتز الدمرداش، فيما كان عمرو أديب في عطلته السنوية آنذاك. والمفارقة أن برنامجي «ماسبيرو» لم يتطرقا أبداً إلى القضية، إنما تمحور النقاش حول أهمية صدور قانون لمعاقبة مروجي الشائعات ضد رجال الأعمال الشرفاء، والإضاءة على «بنك العفاف» الذي ينوي طلعت تأسيسه. وحتى بعد صدور القرار، لم يتغير شيء، وبقيت القضية مغيّبة عن التلفزيون