زينب مرعي قبل مئتي سنة بالتمام والكمال نصّب نابوليون بونابرت نفسه إمبراطوراً على عرش فرنسا. المئويّة الثانية، مناسبة للاحتفالات الشعبية والثقافية، وأيضاً فرصة لطرح أسئلة فكريّة مختلفة: ترى ماذا لو كان بونابرت هو رجل الدولة بامتياز في المتخيّل الجماعي؟ خمسة معارض فنيّة في مختلف أنحاء فرنسا، تحاول أن تحيط بمختلف الجوانب، بينها معرض «نابليون ومصر» في «معهد العالم العربي» في باريس. على برنامج الحفاوة والاستعادة، أعمال سينمائيّة عن هذا البطل التاريخي الذي أوحى لسينمائيين مختلفين من أبيل غانس إلى... يوسف شاهين. كتب صدرت عنه هذا الصيف أو ستصدر، أحدها لرئيس الحكومة الفرنسية السابق دومينيك دو فيلبان.
وإذا كان بونابرت خسر معركة واترلو، فإنّه بالتأكيد ربح معركة الأزليّة ومعها معركة الأرقام. فبحسب المؤرّخ جان تولار، صدرت حول «الجنرال بونابرت»، كتب أكثر من عدد الأيام التي مرّت منذ رحيله! أمّا المكتبات السينمائية فتحتفظ بما لا يقلّ عن 700 فيلم عنه. وفي المزادات العلنيّة يكفي أن يرتبط أي غرض باسم نابوليون... حتى يصبح سعره خيالياً.
لكن لماذا كل هذا الهوس ببونابرت تحديداً؟ سؤال شغل المؤرّخين طويلاً. يشبّه المؤرّخ جان تولار الإمبراطور بوحش بحيرة «لوك نس»، فبونابرت لا ينفك يعود كلّ صيف ليشغل الإعلام بطريقة أو بأخرى، هذا غير موعد الاحتفال الثابت بميلاده في 15 آب. والمفارقة، كما يرى العديد من المؤرّخين، أنّ السبب الرئيسي وراء أسطورة هذا الوحش، هي شخصيّته الخرافيّة. فهو «بروميثيوس الحديث» بالنسبة للشاعر فيكتور هوغو. إذ إنّ للإمبراطور قدرة «خرافية» على مواجهة المصاعب، استباق الأمور، تصحيح أخطائه، التأقلم مع الوضع ثم التطوّر. هو شخصية غنية ومعقّدة جداً. وإذا أضفنا إلى ذلك حلمه بإعطاء فرنسا الدور المركزي في العالم، وعظمته في فترة حكمه كما في سقوطه، يصبح لدينا الخلطة المثالية للشخصية الميثولوجية التي يمثّلها بونابرت، للفرنسيين وللعالم أجمع.
أحبّ الفرنسيون نابوليون لأنه حمى مكتسبات الثورة الفرنسية الأولى وأرسى الكثير من التغيّرات في المؤسسات التي أسّست بدورها للدولة الفرنسيّة الحديثة. ويعتقد دومينيك دو فيلبان أنّ هذه النقطة مثّلت منعطفاً إيجابياً في تاريخ البلاد. ودو فيلبان مفتون بتاريخ بونابرت. فقد كتب ثلاثيّة عن الإمبراطور، يتناول في كل جزء منها حقبة معيّنة من حياته، آخرها كتاب «السقوط، أو إمبراطورية العزلة» الصادر حديثاً، وتناول فيه أهمّ فترة من حياة بونابرت بين 1807 و1814.