حسين بن حمزةفي منتصف الستينيات من القرن الماضي، كان صنع الله إبراهيم قد خرج للتّو من المعتقل بسبب انتمائه السياسي. السجين السابق راح يسجّل ما يراه في شوارع القاهرة، ويكتب ذلك على شكل يوميات، بلغة مباشرة وفجة ووقحة، متروكة كما هي. لم يكن يخطر في باله أن تلك اليوميات ستكون مادة روايته الأولى التي صدرت بعنوان «تلك الرائحة» (1966). يقول صنع الله إنه أحس ببهجة غامضة حين أعاد قراءة يومياته. كان في ذلك إشارة إلى أنّه وجد لغته ونبرته الروائية التي ستقوده لاحقاً إلى مسالك ومنعطفات عدّة. ذهب بمخطوطة الرواية إلى يحيى حقي فنفر منها. أما يوسف إدريس فأعجب بها، وشجّعه على الاستمرار. السلطات المصرية منعت الرواية، فنُشرت في مجلة «حوار».
وذلك الهاجس التسجيلي الذي وسم روايته الأولى، تواصل في أعماله التالية. في «نجمة أغسطس» (1974) توثيق سردي لبناء السد العالي. الحرب الأهلية اللبنانية حضرت في «بيروت بيروت». في «ذات» تحوّل التوثيق إلى أسلوب روائي كامل، وصار ما تنشره الصحافة المصرية مصدراً غنياً لممارسة نصّية تمزج بين السخرية وفشل أحلام الفرد والمجتمع. في «شرف» (1997) و«يوميات الواحات» (2005)، عاد إلى فترة اعتقاله، مؤرخاً الحياة اليومية لمجتمع السجناء. في «التلصص» (2007)، خاض مغامرة تسجيل حياة والده بعين الصبي الذي كانه وقتها. وها هو ينتظر صدور «القانون الفرنسي» عن «دار المستقبل»، وهي تُعدّ جزءاً ثانياً من «العمامة والقبعة» (2007) التي يتناول فيها إشكالية النهضة زمن حملة نابليون بونابرت على مصر في القرن التاسع عشر، بينما يستكمل في الرواية الجديدة ما جرى في مصر الآن. «الروائيون هم صانعو التاريخ الخاص للشعوب»... لعل عبارة غوستاف فلوبير هذه هي أقرب وصف لشغل صاحب «اللجنة». صنع الله ليس مؤرخاً بالطبع. التاريخ في رواياته ذائب في السرد، ومدفون في التحولات الطفيفة لحياة الشخصيات. تلك التحولات التي لا يلحظها التاريخ في خطوطه العريضة. الروائي، بهذا المعنى، يُسجِّل التواريخ الصغرى التي تبتلعها حركة التاريخ نفسها، ويخلِّد ما هو مهمل وسريع العطب والنسيان. صنع الله الذي رفض استلام جائزة مؤتمر الرواية العربية منذ عامين، لم يكتفِ بانتمائه السردي إلى التاريخ. إنه عضو مؤسس في حركة «كفاية». في السبعين من عمره. لم يتعب الرجل من مزج مشروعه الإبداعي ككاتب، مع ممارساته اليوميّة كمواطن.