نوال العليهل التقينا من قبل؟ تسألك لوحة التشكيلي العراقي علي عبّاس. ربّما كان الفنّان، كما قيل، «يستنهض ذاكرته البصرية»، إلاّ أنّها ذاكرة مكررة، لم تأت بجديد يصفع الخيال البصري، يمكنك أن تتأملها وقد تستمتع قليلاً باستخداماته اللونية المتعددة، لكنها مثل ماءٍ جارٍ على حجر أملس؛ ليس لها أثر. لوحات سلسة وممتعة كمشاهدات خفيفة، تعرض ابتداءً من الغد في غاليري «زمان» (الحمرا ــــ بيروت)، وتعتمد المدينة تيمة لها.
إذ تنقّل الفنان (1964) ابن مدينة أور الأثرية بين الناصرية وبغداد وبيروت، وها هو الآن يقيم في أوستراليا ويحمّل مدنه المفقودة على ظهر حمار العصر الحديث؛ الإنسان الذي تمنعه الحياة بغيلانها من بناء حميمية مع مدينته بعوالمها المصطنعة، فتجده يحمل المدينة القديمة في ذاكرته ويظهر بمظهر الغافل عن مكانه الجديد، ويعيش حنينه لأور بالمعنى المجازي.
«من بغداد بيروت إلى سيدني... حمار يحمل المدينة» هو عنوان المعرض الذي يستمر حتى 19 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل ويضم 20 لوحة، استخدمت فيها ألوان زيتية على قماش، مع مزج مواد مختلفة. وتظهر الأعمال كأنّ فنانها اندفع بالتلوين ثم عاد للتقليل من حدة ما فعل، ومرر يده على السطح بعد انتهائه وسوّى كل شيء فيها لتظهر كوحدة واحدة. البرتقالي كان خلفية محبّبة، وخصوصاً مع الأخضر المزرق، والرمادي الملطخ بقليل من الأبيض والأصفر، اللون النيلي حاضر أيضاً في معظم البيوت والبنايات.
دلالات الألوان تشير إلى أنّنا أمام مدينة شرقية بامتياز، هناك حنين لألوان الشمس وحرارتها. حتى نحسّ بالرسم كأنّه فعل الافتقاد نفسه، لا الاستعادة.
فالمدينة الأوسترالية تظهر، كما يبدو، في لوحة واحدة، حيث كل شيء أبيض الخلفية مع أصفر خافت. إنّها سماء موصدة أمام الضوء الساطع. ويندمج أبيض السماء ببياض بناء وحيد ذي طوابق عدة، ليس فيه حضور لأي شيء حي. ولولا النوافذ المربعة المفتوحة على غرف خالية ومختلفة بألوانها، لما كان ممكناً تمييز البناء في العمل.
في تفاصيل الأعمال قنديل وحيد وضخم في لوحة، وامرأة بحجم بيت في أخرى، وسجاجيد متدلية من نوافذ وشرفات، بناية وحيدة، وطلسم على شكل مثلث يتكرر. وفي معظم الأعمال يطل الحمار برأسه أو يحضر بكامل جسده كتفصيل أكبر من مكان.


«حمار يحمل مدينة»: حتى 19 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل ــــ غاليري «زمان» ــــ بيروت: 01,745571