هل نجح مسلسل «ناصر»؟ الجواب نعم، على رغم امتناع الفضائيات الخليجية عن عرضه، وتجاهل القنوات الرسمية المصرية له، وسخط الجماعة الإسلامية التي أعلنت أخيراً اعتراضها على المسلسل...
محمد عبد الرحمن
قبل انطلاق الموسم الرمضاني، واجه مسلسل «ناصر» ظروفاً صعبة، من اختيار البطل، مروراً ببعض المشاكل التنفيذية أثناء التصوير، وصولاً إلى انصراف معظم الفضائيات الرئيسية عن شراء حقوق العرض... كل ذلك هدّد بالجماهيرية المتوقعة لمسلسل يتناول سيرة أبرز رئيس عربي في القرن العشرين، بل يكاد يكون الزعيم الوحيد الذي ما زال يحافظ على شعبيته عربياً، على رغم مرور ما يقارب 39 عاماً على وفاته. وعلى رغم أن سيرة عبد الناصر، وكل التحولات المفصلية التي شهدتها تلك المرحلة، قد تمثّل أرضاً صلبة لأي عمل درامي يطمح إلى تناول سيرته ومعالجتها... فإنّ كل ذلك لم يشفع لمسلسل «ناصر» لاحتلال مساحة أكبر على خريطة رمضان. وتجدر الإشارة هنا إلى أن قرار عرض هذا المسلسل أو ذاك، لم يعد مرتبطاً بعناصر جذب العمل أو الدخل الإعلاني المتوقع، أو نجومية أبطاله أو حتى سخونة القضية التي يطرحها... بل باتت هناك اليوم دوافع سياسية تتحكم في هذه القرارات، وإن كان أصحاب الفضائيات لا يجاهرون بها علناً. لكن الناس المشتاقين إلى زمن عبد الناصر، يعرفون جيداً أن عدم انتشار مسلسله يعود إلى غاية في نفس يعقوب. فالقنوات الخليجية تجاهلت المسلسل لسبيين: إما العداء التي تكنّه أنظمتها لقائد ثورة يوليو أو التضييق الذي تنتهجه هذا العام على الدراما المصرية. بالتالي، فإن «بعد الفراق» و«في إيد أمينة» أصبحا أهم لدى mbc و«دبي» من سيرة زعيم، كان من المفترض أن يعامل على الأقل بالطريقة نفسها التي عومل بها «الملك فاروق». وبينما تنفي القنوات المصرية الحكومية أي موقف سلبي حيال «ناصر»، لم يصدق أحد أن التلفزيون الرسمي لم يجد إلا «النيل للدراما» المشفّرة ليعرض عليها المسلسل، وأن يقرر ذلك قبل رمضان بيومين... فيما القناة الأولى والثانية (أسّسهما عبد الناصر بالمناسبة)، تتجاهلان العمل تماماً.
ومع ذلك، نجح «ناصر» في اختراق جدار العزلة عبر قنوات «الحياة» و«بانوراما دراما» وnbn وغيرها... والمسلسل الذي كتبه يسري الجندي وأخرجه باسل الخطيب، وعلى رغم بعض النقاط السلبية، جمع مزايا عدة، ساعدت على زيادة نسبة المشاهدة بعد مرور عدة أيام على انطلاق رمضان. فالعمل من الناحية التاريخية، يقدم قراءة جيدة لمن لا يعرف الكثير عن تلك الحقبة في تاريخ مصر والعالم العربي، ولمن يريد أن يتعرَّف إلى الصورة التي أغفلها مسلسل «الملك فاروق». والأهم من ذلك، أن القراءة التلفزيونية هي بحكم الحال أطول من قراءة مختصرة، تقدّم في فيلم سينمائي (على رغم أن «ناصر 56» لا يعرض إلا في ما ندر). يضاف إلى ما سبق، الثقة التي بدأت تحظى بها الأعمال التاريخية المصرية الموقعة من جانب مخرجي الدراما السورية، وبعيداً عن المضمون.
العناصر المذكورة أعلاه ساعدت المشاهدين على تجاوز النسبة الكبيرة من الممثلين الجدد. وهي نسبة مبرّرة نظراً لكون البطل نفسه (مجدي كامل) لم يدخل مصافّ النجوم الكبار. أما الانتقادات، فتركّزت حتى الآن على اختيار نجل المخرج باسل الخطيب لتقديم عبد الناصر طفلاً، وفشله في التخلص من اللهجة السورية. هناك أيضاً تصوير ناصر زعيماً حتى في عمر الطفولة، فضلاً عن الإفراط أحياناً في السرد الدرامي الوثائقي.
أما بالنسبة إلى الغاضبين، فمنهم من جاهر بموقفه، ومنهم من لم يعلنه مثل الحكومة المصرية التي سبّب لها المسلسل حرجاً ـــ كما يؤكد بعض النقاد ـــ لأن عرض الحلقات تزامن مع كارثة الدويقة. والمقارنة هنا ستعود إلى أذهان الجمهور من جديد. في العام الماضي، كانت المقارنة بالملكية والآن بالناصرية... وفي الحالتين، الخاسر طبعاً ليس الملك ولا عبد الناصر.
أما أكثر الغاضبين، فهم كالعادة «الإخوان المسلمون» الذين اعترضوا على ما رأوا أنّه «تشويه لصورتهم، وطمس لدورهم التاريخي في الأربعينيات والخمسينيات، وتجاهل عن عمد لإنجازاتهم في حرب فلسطين». كما استنكر القيادي في الجماعة عصام العريان موقف المؤلف من رموز الجماعة وتصويرهم على أنهم «يقدّمون المنافع الشخصية على المنفعة العامة، وأظهرهم بمظهر المتزمّتين، القليلي الذوق، الصعاب المراس، الضعيفي الرؤية السياسية». إلا أن يسري الجندي أكد أنه اعتمد على المستندات والوقائع التاريخية الثابتة، نافياً نيته تشويه صورة أي طرف من الأطراف، ورافضاً التشكيك في وقائع المسلسل.

20:30 على nbn