نوال العليينام الشاعر في المقبرة “نكاية بالموت”، ويستمني في النهر “نكاية بالنهد”... والظاهر أنّه يكتب نكاية في الكتابة، حتى إنه يبدو في مصارعة معها. ثمة عنف لغوي واضح واستخدامات لفظية شرسة، لا ندري إن كان وصفها بالشعرية سيكون أميناً. “الغاوون” أصدرت أوّل منشوراتها حديثاً، وهو ديوان لرئيس تحرير هذه الجريدة الشهرية المتخصّصة في الشعر. إنّه ماهر شرف الدين صاحب “تمثال امرأة يتجرّع السم”. يبدأ الديوان بمحاورة بين الشاعر والله، إذا بحث القارئ خلفها فلن يتمكن من إمساك شيء له معنى. وإن كان جوهر الشعر ليس في المعنى، فإن البعد الجمالي والفلسفي لهذه المحاورة يبدو بعيد المنال: “انظر إلى تلك المرأة التي تتجرع السم/ أرجوك اجعلها تمثالاً/ أتريد إنقاذها؟”.
الديوان عبارة عن قصيدة واحدة، كتبت بلغة بالغة الفظاظة، جاءت مختلفة عن لغة شرف الدين في ديوانه “العروس”. لا يعني ذلك أنّ لغة الشعر ليست سوى تلك المهذبة المغلّفة بالرقة. فإذا كانت بنية القصيدة في تغيّر مستمر، فلا شك في أنّ هذه هي حال اللغة. إلا أنّ لغة شرف الدين تبدو كأنها مصابة بمرض الشراهة، تستفز القارئ الذي يبدو جرح ذائقته الشعرية غايةً بحد ذاتها، ينهمك بها الشاعر ويُقصي نفسه بذلك عن نصّه، فنجد أنفسنا وقد تورّطنا بدورنا في معركة مع المفردات، هناك ضجيج وجمل تتسابق على المفردات القاسية. ولا ندري مَن المعنّف هنا: النص أم قارئه؟ “النهد هرطقة جنسية/ فقاعة حارّة/ دمّلة/ قبضة/ سحابة تمطر الحليب/ والحلمة قُمْع/ الحلمة سدادة/ والنهد إذا خضّ يفور”.
هذه الرغبة العارمة في الحديث بمفردات جنسيّة، بغض النظر عن قيمتها الشعرية، فاضت حتى أغرقت القصيدة، حتى ليبدو أنّ كتابتها نوع من تفريغ لسخط وكبت وغضب: “سأنام في النهار لأبعص الشمس”، “يا لذيذ. يا خدر يلعب بين فخذين”، “هل تعرفون امرأة تجرعت السم من تحت”. كما أنّ هناك مفردات تتكرر بابتذال، مثل مفردة “اللحم” الفائضة وغير المستساغة. فالراقصة الشرقية “شمعة اللحم... سكرة اللحم” أو “أفور كاللحم”، “لسان الأنثى لحمها الزهري”، “اللحم الحلو”، “جحر اللحم” وغيرها كثير.
يبقى أن نشير إلى مسألة جانبية ومكمّلة للفقر الجمالي في هذا الكتاب؛ إذا كان القصد من استخدام الألوان الفاقعة، الأحمر للغلاف والأخضر مع الأصفر والبرتقالي للخط، جذب القارئ مع وجود صورة ضعيفة فنياً لثلاث نساء شبه عاريات، فقد خرج التصميم بنتيجة معاكسة، وجعل القارئ يقطب جبينه نافراً.