علي زراقطفي 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005، دارت معركة في مدينة حديثة العراقية هاجمت خلالها القوات الأميركية عدداً من المنازل، وقتلت عشرات المدنيّين العزّل، بينهم أطفال. هذا ليس خبراً ورد في إحدى وكالات الأنباء بل إنّه ملخص فيلم «معركة حديثة» (Battle for Haditha) الذي يستند إلى المجزرة المعروفة، وقد أعيد تركيبه درامياً. بعد سلسلة من الأفلام الوثائقية عن مرتكبة الجرائم المتسلسلة أيلين وورنوس، وعن هايدي فليس إحدى نجمات هوليوود، والمغنية كورتني لوف أرملة كورت كوبين، ها هو نيك برومفيلد ـــ أحد أهم المخرجين الفضائحيين في أميركا ـــ يدخل حرب العراق من باب الفضيحة.
لمَن يعرف الأفلام المذكورة، يعرف أيضاً أنّ برومفيلد سيحوّر الأحداث ويلعب بها، ويركّب على الشخصيات طبقات وطبقات من العقد النفسية. هكذا، صوّر شريطه الجنود الأميركيين على أنّهم مرضى نفسيّون خائفون، والشعب العراقي طيب إلى درجة الغباء والسذاجة. ثم نرى أنّ المنتمين إلى تنظيم «القاعدة» هم من الشبان العاطلين عن العمل الذين جرى إغراؤهم بمبلغ 500 دولار أميركي وَ... غالون من المازوت!
وبما أنّنا لم نكن لنرى ما جرى، علينا أن نعيد بناء الواقع على طريقة «دوكيودراما». الأرجح أنّ هذه الأمور التي يصوّرها الفيلم حصلت كما رواها. لكن من أين أتى الشريط بكل هذه التفاصيل الواردة فيه؟ الزوجان كانا يمارسان الحبّ لحظة مقتلهما؟ والطفل كان يعشق الدجاج؟... كل هذه التفاصيل هي لأجل الدراما، وهي ليست حقائق، بل افتراضات. وهنا يأتي السؤال: في زمن لم يعد في إمكان الأحداث أن تفلت من عين كاميرا البثّ المباشر، ألا تُصبح السينما التي ترتبط مباشرةً بالأحداث سجينة هذا البث المباشر؟ هل يمكنها أن تفلت بالأحداث إلى مكان لا يمكن البث المباشر أن يكون أقوى منه؟ وهل بإضافة القليل من البهارات عبر دراما مختلقة، وتشويق غريب الأطوار، وشخصيات ملتبسة، نكون قد نجحنا في أن نذهب أبعد من النقل المباشر؟ ما زال النقل المباشر أصدق من هذا الفيلم. وليس بالضرورة أن يكون الزوجان متحابّين حتى يصير القتل لا أخلاقيّاً... ولا أن يكون الطفل جميلاً، كي يصبح قتله محزناً. هكذا، سقط الفيلم في فخّ رغبة مخرجه الفضائحية.


Battle For Haditha ــــ «سينما سيتي» ــــ 01/899993