محمد خيرنسختها الثانية التي ستُبصر النور قريباً تصدر هذه المرة عن {دار الشروق} (القاهرة). إنّها {وقوف متكرر} رواية محمد صلاح العزب التي صدرت أوّلاً عن {دار ميريت}، وشاركت في مسابقة {بوكر} العربية، وتعود إلى السوق بعد نفاد طبعتها الأولى. يتميّز أبطال الروايات بأسماء لها جرس خاص. إلا أنّ البطل هنا له اسم لا يميّزه عن عموم المصريين: محمد إبراهيم اسم متكرر كبقية الشخصيات: هند، أم رضا، منعم... ما عدا وحيد، وهو زميل الدراسة (سعيد مغرفة) وكنيته هي لقب أطلقه عليه المدرّس سخريةً من أذنه التي تعاني عيباً خلقياً يجعلها تشبه المغرفة. قسوة؟ أجل، لكنّها تمثّل مفتاحاً لعالم الرواية التي لاقت نجاحها لأنّها مسّت بصدق عالماً يشبه بعضه. وحدات إنسانية متطابقة وبائسة، تماماً مثل وحدات المساكن الشعبية التي يسكنها معظم الشخصيات، حيث لا فرص حقيقية، ولا أبطال محتملين. البطل في الرواية هو بطل مجازي، استحق {بطولته} فقط لموقعه من الحكي، لكن لا شيء يميّزه، يحيا في عالم من{ الفقر الحتمي، ودليل حتميته تجربة محمد إبراهيم وصديقه منعم اللذين يعملان مندوبي مبيعات لمخزن أدوية. فماذا حدث عندما ابتسم لهما الحظ مرة ووجدا في أيديهما بضاعة تساوي مبلغاً مالياً لم يعد له صاحب؟
المبلغ ثروة صغيرة لشابين من منطقة شديد الفقر، يفتتحان به صالة ألعاب متواضعة تتحول إلى ملتقى للأولاد والبنات الهاربين من المدرسة. لا يستمر الوضع طويلاً. إذ تتعدد بلاغات الجيران والمدرسة، فتقفل الشرطة المكان. لا يستسلم الشابان، يبيعان الأجهزة، ويقرران استئجار مكتب لافتتاح نشاط تجاري. يكتشفان سريعاً أنّهما لا يمتلكان خبرة ولا فرصة. يتلاعب بهما السماسرة، وينفصل {الشريكان} وينتهي حلم {البزنس} إلى غرفة حقيرة من دون دورة مياه، تصبح محوراً لأحلام جنسية معطلة ومكبوتة، وتسبّب جريمة سرقة تافهة إفساد المرة الوحيدة التي استطاع فيها البطل استدراج امرأة إلى مسكنه البائس.
لا يختلف محمد إبراهيم عن باقي شخوص الرواية. لا يزيد عليهم سوى في طموح بائس لكسر دائرة الفقر والكبت من دون مغامرات حقيقية، وهو يحيا على هامش عائلته التي تعيش على هامش مجتمع لم يستطع حفظ حقوق الأب الفقير والواقعي. الجميع هنا يسيرون في شارع طويل دائري لا ينتهي. رغم كل شيء، يظنون أنّهم يتحركون إلى الأمام. لذا لا ينتبهون إلى الوقوف المتكرر.