مزايدات وطنية واتهامات بالتخوين دمشق ـ سعاد مكرم
احتدمت معركة الرقابة مع التلفزيون السوري، لتصل إلى أروقة المحاكم. إذ لجأ المخرج هشام شربتجي أخيراً إلى رفع دعوى على مديرة التلفزيون السوري ديانا جبور ومدير الرقابة في التلفزيون غسان شهاب، على خلفية عدم عرض مسلسل «رياح الخماسين» على الشاشة السورية، وإيقاف عرضه في قناة «الدنيا» الخاصة بعد بث ثلاث حلقات. علماً بأن المسلسل (38 حلقة)، يتناول سيرة معتقل سياسي من الساحل السوري، بعد خروجه من سجن أمضى فيه 15 عاماً، ليفاجأ بأن الفساد استشرى في مؤسسات المجتمع كلها ووصل إلى أسرته. حينها، يبدأ بمحاربة المفاهيم المغلوطة، مشيراً إلى أن ميزان الأخلاق والمعايير الوطنية قد جرى التلاعب به، وتتكرر جملة «الميزان ملعوب فيه» على لسان البطل أكثر من مرة. إلا أنه يواجَه بإحباطات كثيرة، لأن الفساد صارت له مؤسسات ومنظومة عمل راسخة.
ورأى شربتجي تصرف إدارة التلفزيون وتصريح مدير الرقابة للصحافة عن أسباب عدم عرض المسلسل، «تشكيكاً بوطنيتي وبتاريخي المهني، وتخويناً وتشويه سمعة، وتعطيل عمل كلّف الملايين».
وكان مدير رقابة البرامج في التلفزيون السوري غسان شهاب قد كشف للصحافة سابقاً عن بعض ملاحظاته تجاه العمل، وخصوصاً عن حوار يدور بين البطل (أسعد فضة) الخارج من السجن حديثاً، وصديقه (عبد الحكيم قطيفان) الذي يقول له: «اكتب مذكراتك وخلّ سيفك مسلطاً على رقابهم، ولندفّعهم الثمن». وتساءل مدير الرقابة: «مَن هم هؤلاء الذين يريدهم المسلسل أن يدفعوا الثمن؟». كما أشار إلى «أن الحلقات الأخيرة التي تصلهم تباعاً، لا تتعدّى مدة كل منها ثلاثين دقيقة، ما يعني أن الجهة المنتجة راحت تحذف وتمنتج ما ليس مناسباً».
هذه التصريحات استفزت هشام شربتجي، فقرر الادعاء على مدير الرقابة ومديرة التلفزيون. كما رفض المزايدة عليه بالوطنية، وقال لـ«الأخبار»: «إذا كان مدير الرقابة يسألني من هؤلاء، فأقول له أنت واحد منهم... لقد حوّلوا المسلسل إلى عمل معاد، فيما هو تربوي بامتياز. كما تسببوا بضرر مادي نتيجة منع تصدير العمل في رمضان، وفوتوا علينا فرصة استعادة تكاليفه. علماً بأن «رياح الخماسين» ليس ضد مرحلة معينة، بل بمثابة دعوة لإزالة الخوف المزروع في العقل، وهو خوف نحن زرعناه». فيما رأى الكلام عن تسليم حلقات ممنتجة وقصيرة، «تخويناً وتشكيكاً في الوطنية. وهو أمر غير مقبول». وقد قرر اللجوء إلى القضاء، بغض النظر عما إذا كانت القضية ستأخذ مجراها القانوني أم لا، بهدف فتح الباب أمام بقية الفنانين للجوء إلى القضاء، «إذا تعرضوا لتشويه السمعة والتخوين».
من جهته، أكد لنا غسان شهاب أن المسلسل لم يمنع من العرض، بل تأجل البت بأمره، ريثما تستلم الجهات المعنية الحلقات كاملة. وقال إن العمل «إشكالي على اعتبار أنه يتحدث عن حياة معتقل سياسي. وقد وصلنا في اليوم الأول من رمضان خمس حلقات فقط، يصعب معها التكهن إلى أي مدى ستتنامى خطوطه الدرامية». وأشار شهاب إلى أن «رياح الخماسين» عرض على لجنة خاصة، وهي اللجنة المتخصصة في إعادة مشاهدة الأعمال التي تحيلها إليها إدارة الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، إذا اشتكت الجهة المنتجة من قرار منع عرض عمل ما. وقد شاهدت اللجنة حتى اليوم، «21 حلقة، وتمت الموافقة على التصدير، مع أنها (أي اللجنة) أكدت في تقريرها أن القرار النهائي لا يمكن أن يحدد إلا بعد مشاهدة الحلقات الباقية». ولفت شهاب إلى أن التلفزيون السوري «لم يستلم لغاية تاريخ 21 الشهر الحالي، سوى 21 حلقة فقط».
وفي ما يتعلق بمدة الحلقات التي سبق أن أشار إلى تفاوتها، أوضح «أن الحلقة 21 التي استلمتها مكتبة التلفزيون مدتها 31 دقيقة و45 ثانية، متضمنة الشارات التي تمتد إلى ست دقائق. علماً بأنه حسب الأعراف المهنية والتجارية والتسويقية في القنوات التلفزيونية، تبلغ مدة الساعة الدرامية التلفزيونية المعتمدة 45 دقيقة كحد أدنى». أما بالنسبة إلى التشكيك بوطنية شربتجي، فقال شهاب إن «حذف كلمة نابية أو شتيمة أو موقف غير لائق لا يعني تشكيكاً بوطنية أي مبدع»، مؤكداً أن رقابة التلفزيون تنطلق من «معايير فنية ووطنية»، لافتاً إلى عدم وجود لوائح خطية تحدد الممنوع والمسموح.


معارك الموسم

كشفت معركة «رياح الخماسين» عن مشاكل أخرى كثيرة، يعانيها قطاع الدراما في التلفزيون السوري. وهي مشاكل تطفو على السطح خلال شهر رمضان، ومنها: عدم إلزام الشركات المنتجة بتسليم كامل المسلسل قبل بدء الموسم، للبت في السماح بالعرض والتصدير. ما يخلق إرباكات في جهاز الرقابة، تترتب عليها خسائر مادية ومعنوية للشركات المنتجة. وهذا ما تكرر أخيراً، فإما يتعرض العمل لإيقاف البث كما حصل مع «رياح الخماسين» الذي كان يعرض على «الدنيا»، أو يُحذف منه بشكل يؤثر على سياق الأحداث، كما حدث مع «غزلان في غابة الذئاب» عام 2006، و«بقعة ضوء» هذا العام ... وهذا الموسم، لم تقتصر المشكلة على سوريا، وخير دليل على ذلك إيقاف mbc «فنجان الدم»، و«أبو ظبي» «سعدون العواجي»، بسبب اتهامهما بإثارة النعرات الطائفية.

أسعد وسلمى


يجتمع في «رياح الخماسين» عدد من أبرز وجوه الدراما السورية، مثل أسعد فضة وسلمى المصري وفايز قزق وأنطوانيت نجيب ونضال سيجري. والعمل الذي كتبه أسامة إبراهيم وأخرجه هشام شربتجي، يعرض حالياً على قناة «الجديد» عند الساعة 17:00