بشير صفير صدر أخيراً الألبوم الأول لعازفة القانون اللبنانية إيمان حمصي بعنوان «اللورد قانون» (إنتاج «معهد العالم العربي»/ توزيع «هارمونيا موندي»). بدايةً يجب الإشارة إلى أنّ استثنائية هذا الألبوم تكمن في أمرين. أولاً أن القانون هو آلة لم تُعرف المرأة بالإلمام بها عموماً، وثانياً أنّ تمايز القانون عن الفرقة الموسيقية لا يقارن باستقلالية العود، على رغم إمكاناته الموسيقية الكبيرة وفرادة نبرته. هكذا تنضم إيمان حمصي اليوم إلى الذين ميّزوا القانون خارج نطاق المرافقة، منذ العازف الكبير محمد العقاد إلى جورج أبيض ومحيي الدين الغالي وغيرهم. لكنّ حمصي تتبنى في مشروعها الموسيقي المستقل تطويراً مهماً في هذا السياق، إذ تُدخِل القانون مرحلة جديدة وذلك من باب تطوير تقنيات العزف عليه (تقنية العزف بالأصابع العشرة) في سبيل استنزاف إمكاناته الصوتية، وهذه حتمية تاريخية طالت الكثير من الآلات الموسيقية الشرقية والغربية.
إذاً، بعد مرافقة العديد من الأسماء الكبيرة في عالم الموسيقى والغناء، تقدّم إيمان حمصي مساهمتها الخاصة في عالم الموسيقى، وذلك في مجموعة مقطوعات موسيقية تنوّعت بين التوجه الحديث (الحَذِر) والنَفَس الكلاسيكي. يتميّز جو العمل بالأسلوب الأكثر إغناءً لأي تأليف موسيقي (اتخَذ شكلاً آلاتياً أم غنائياً) في الشرقي كما في الغربي: التغييرات المقامية. وتتعدد أوجه إيمان الموسيقية في الألبوم لتشمل التأليف والإعداد والتقسيم والأداء. يُستهلّ «اللورد قانون» بتقاسيم على مقام عجم عُشيْران، يليها أداء لمعزوفة «الربيع» (وهي تحية من حمصي إلى أستاذها، مؤلف المقطوعة، محمد السبسبي)، فمقطوعة من تأليف حمصي تحمل اسم ابنتها ساره (تشارك في أدائها مجموعة من الموسيقيين، ويتخللها أداء صوتي للكورس)، وبعدها «سماعي سوزدال» (تأليف سليم الحلو). وتؤدي الفرقة مقطوعة بعنوان «بين أمي وأبي» من تأليف حمصي (على الطريقة الروحانية، نسبة إلى عازف العود شربل روحانا)، تليها تقاسيم تتصل بها لناحية المقام (نهاوند). المحطتان الأثقل ـ رغم كلاسيكيتهما ـ تتمثّلان في مجموعتي تقاسيم على مقامَيْ الراست والبياتي، تهمِّشان التقني الصعب لصالح التعبير الفائض بالأحاسيس. من ريبرتوار الراحل زكي ناصيف كلاماً ولحناً، أدرجت حمصي «يا ليلى»، محطة تحيّر المستمع بين أن يؤخذ بالإعداد الفائق الذائقة الذي قامت به حمصي أو بالأداء الجميل لجوهرة إلياس التي لا نعرف كيف استطاعت أن تذكِّر بسحر النفس القصير الذي ميّز أداء الـ «الختيار» لأغانيه. في ختام الألبوم رقصة من التراث اليوناني استدرجتها حمصي إعداداً إلى الموسيقى الشرقية وسلسلة رقصات من الفولكلور البلغاري، كان يجب تفادي استخدام البرمجة الإلكترونية فيها (بيانو وكونترباص)، وخصوصاً أنّها أتت اصطناعية نافرة، مُحدِثةً هوّة كبيرة مع الصوت العضوي في المقطوعة.