يختلف عن مسلسلات البيئة الشامية لأنه يستفيد من ثغراتها: إنه «الحوت» الذي يروي حياة الصيادين وينتصر للمرأة وينطلق من أحداث موثّقة... وينتشر على الفضائيات
منار ديب
لا تقتصر الأعمال البيئية في الدراما السورية لهذا الموسم على الحارة الدمشقية، فلدينا «الحوت» الذي تجري أحداثه في اللاذقية، و«باب المقام» الذي يأخذ اسمه من حيٍّ حلبي قديم. وإذا كان «باب المقام» لم يعرض إلا على الفضائية السورية، فإن «الحوت» يحظى بفرصة عرض جيدة على عدد من الفضائيات. وهو من بطولة بسام كوسا وسلوم حداد وخالد تاجا ومنى واصف وسامية جزائري وشكران مرتجى... ومن تأليف كمال مرة وإخراج رضوان شاهين، وإنتاج شركة «عاج» التي قدمت عدداً من الأعمال البيئية.
«الحوت» ليس مسلسل حارة، كما هو حال الأعمال الشامية. وإن كان جزء كبير من أحداثه يجري في حارات اللاذقية القديمة وأسواقها، إلا أنه عمل مفتوح على البحر من خلال المرفأ، ومقهى الصيادين والشاطئ. كذلك فإن عدداً كبيراً من مشاهد قسمه الأول، يجري في الريف الجبلي القريب من اللاذقية، حيث نشأ البطل أسعد (بسام كوسا) الذي سيصبح ريس سوق البازار، ويحمل لقب «الحوت». يؤرخ العمل لبدايات الانتداب الفرنسي في سوريا مطلع العشرينيات، إذ كان الساحل أولى المناطق التي دخلها الفرنسيون. وتحتل عمليات المقاومة للوجود الأجنبي جانباً أساسياً وتمثّل خطاً درامياً مهماً.
لكن الحكاية التي يبنى عليها العمل، هي صعود أسعد، الفتى الشقي والشرير بالفطرة الذي يهرب إلى المدينة بعد تحرشه بابنة المختار. وهنا، سنتعرّف بحياة السوق في اللاذقية، بعد أن يعمل أسعد في خان أبو رشيد، ويطلّ جميل (سلوم حداد في تمثيل أنيق) الريس العادل لسوق السمك. وستبرز خطوط الصراع بين الريس جميل والريس عبده الأخطبوط (نجاح سفكوني)، رجل الأشهب (خالد تاجا)، بك «البور» المتعاون مع الفرنسيين. وستتلاقى العمالة مع استغلال الصيادين من خلال جمع الضرائب الباهظة لمصلحة الانتداب.
بالحيلة والصبر، يصل أسعد إلى مصاهرة الريس جميل. ثم يوقع به في كمين فرنسي أثناء عملية تسليم سلاح إلى الثوار وبالتنسيق مع الأشهب. أسعد الذي يرث موقع الريس الجميل، يبدأ بالاستيلاء على ممتلكاته، وخصوصاً أن الأخير لم يترك ولداً ليرثه.
وشخصية «الحوت» غنية درامياً، لا نجدها في الأعمال البيئية الأخرى التي تتغنى بالفضائل. فهذا القروي الصبور والخبيث، يجيد أداء دور العامل المخلص والقبضاي الزائف. ويتمتع كذلك ببرودة أعصاب عجيبة، وبقدرة على التعلم وانتهاز الفرص، مستغلاً السذاجة الأخلاقية لمجتمع الحارة التقليدي.
العمل الذي حمل اسم «الحوت»، لا يصل بطله إلى اللقب إلا في الحلقات الأخيرة. لذا، يعاني المسلسل ضعفاً في إيقاع الأحداث. كذلك فإن المدينة الساحلية القديمة بدت أقرب إلى دمشق، من ناحية شكل البيوت والعادات. إلا أن صناع العمل يصرون على أنهم لم يجدوا بيوتاً تقليدية في اللاذقية اليوم. وهي إن وجدت، لا تصلح للتصوير، لوقوعها في أماكن مأهولة ومكتظة. والبحث التاريخي الذي قاموا به أوصلهم إلى أن مَن بنوا بيوت اللاذقية القديمة هم معماريون شوام، نقلوا الطراز الدمشقي نفسه. وإذا كانت المدينة العربية القديمة تتمتع بسمات مشتركة من ناحية التقاليد، إلا أن العمل قد أسقط لهجة اللاذقية أيضاً، مفضلاً استخدام لهجة سورية بيضاء، ويعزو بسام كوسا ـــــ المنتج الفني للعمل أيضاً ـــــ ذلك، إلى الخشية من عدم إتقان الممثلين للهجة الساحلية الصعبة، أو خروجها بشكل كاريكاتوري، سيخطّئه المشاهد السوري، ولن يفهمه المشاهد العربي.
ويلحظ أن السياق التاريخي واضح ومؤثر في «الحوت» وليس افتراضياً أو مجرد خلفية تزيينية. كذلك يعكس العمل تنوع مجتمع اللاذقية من خلال شخصيات مسيحية، ترد بشكل طبيعي تماماً في جزء من النسيج الاجتماعي الواقعي، لا لتمرير خطاب وحدة وطنية تعليمي. وللمرأة دور هام في الأحداث، فلدينا شخصية حورية (ريم علي) التي تقوم بما يعجز الرجال عن القيام به، وسلمى (لورا أبو أسعد) الزوجة المدللة للريس جميل، وأم حسن (منى واصف)، وهي هنا والدة أسعد التي تستطيع التأثير على الأشهب حين تعمل خادمة في قصره، وتدفعه إلى الاعتراف بابنه عادل والاهتمام به، وذلك خلافاً لنساء مسلسلات حارات دمشق، المشغولات بالثرثرة.


22:00 علىLBC / 21:00 على «دبي»/ 00:00 على «الكويت»/ 22:44 على « artحكايات كمان»