التظاهرة التي ينظّمها «زيكو هاوس»، تتواصل في بيروت خلال أكتوبر مع «وجهة نظر»، «أنتَ يا مَن تنظر إلينا»، «فن برازيلي» و«أزِل هذا القناع عن وجهك». فهل تفاجئنا العروض اللبنانية، وتنجح في انتشال المهرجان من حدود العادي...؟
حسين بن حمزة
بعرض «عندما تبثُّ الأنتينات الحبَّ في الهواء» الذي قُدِّم أول من أمس الأحد في شارع الحمرا، تنتهي محطّة شهر أيلول/ سبتمبر من «مهرجان بيروت لعروض الشارع» في نسخته الخامسة. يقوم العرض على فكرة غاية في الجاذبية، وهي منح الفرصة لتسعة أشخاص كي يتواصلوا عبر الإنترنت على مرأى من الجمهور. جودي نايلن (نيويورك)، ومانويل شمالستيج (جنيف)، وبوريس كيش (بروكسل)، وأودري سمسون (روتردام)، وباولا فالز برافو (ميدلين في كولومبيا)، وكريستيان كروز (لوس أنجليس). ستة في ستّ مدن على الشبكة العنكبوتية يتقاسمون اللحظة نفسها مع أربعة آخرين في بيروت (لور ديزيليس، سمير يوسف، جو إلياس، زو جوديل). العرض يقترح مكاناً افتراضياً للقاء من نوع مختلف، ويفترض أن يتحول هذا المكان إلى حدث ملموس ومرئي من جمهور دُعي إلى العرض، فضلاً عن المارة الذين ستثير الشاشة الكبيرة التي تبث ما يحدث بين المدن السبع حشريتهم، فيتوقفون للمشاهدة والتفاعل.
العرض يدعو إلى تجاوز الحدود المرسومة على الأرض. ويحتفي بالإمكانات التي تتيحها وسائط الاتصال الحديثة للتحايل على الواقع. المشاهدون يقرأون عبارات بالإنكليزية تتوالى على الشاشة التي قُسِّمت إلى تسع شاشات صغيرة مساوية لعدد المشاركين. العبارات تشير إلى مبدأ اللعبة في العرض: «لنرسل أشياء من هنا إلى هناك»، «لندع حقيقة الحدود الموجودة ولننسَ الجغرافية السياسية لفترة، ولنلتقِ في مكان آخر»... إنّها دعوة إلى كسر الحدود وابتكار مساحات التلاقي. العرض يحمل نداءً مبطّناً للخروج من الهويات الضيّقة والمسبّقة للمشاركين فيه. وهي دعوة مرشّحة للانتقال إلى المشاهدين أيضاً. العبارات نفسها تُتلى صوتياً بالتزامن مع صور ومشاهد تتبدّل على الشاشات التسع. نرى جوازات سفر وتأشيرات دخول، ثم عملات نقدية، فشبّاناً يتصفّحون جرائد ومجلات محلية. الشريط الصوتي المتقطع يتحول إلى نص كامل ومتماسك عن فكرة العرض. ثمة إشارات في النص إلى عنوان العرض. كلام شبه شعري عن سطوح بيروت المكتظة بهوائيات وصحون استقبال البث التلفزيوني. الكلام يتوقّف. تتناهى إلينا أغنية، ثم عودة إلى النص الصوتي قبل أن ينتهي العرض بأغنية ثانية.
المشكلة أنّ العرض بقي في حدود النيّات الحسنة لأصحابه. لا شك في أنّه يتضمن أفكاراً كبيرة وجديرة بالاهتمام. لعلّ كل فكرة فيه تستحق عرضاً منفرداً. فكرة كسر الحدود، مثلاً. واختلاط الهويات في لحظة التواصل الافتراضي... وغابة الهوائيات على سطوح المباني. لكن ما شاهدناه لم يتجاوز القشرة الخارجية لهذه الأفكار. حتى إن أغلب المشاهدين لم يعلموا أن العرض انتهى حتى قيل لهم ذلك بلغة الواقع لا باللغة الافتراضية التي جرى العرض على أساسها.
العرض الأخير ـــ وغير المقنع ـــ لشهر أيلول، يفتح المجال للحديث عن مجمل عروض هذا الشهر التي لم تخرج عن حدود العادي والمتوسط. لم نحضر عرضاً مفاجئاً ومبهراً حتى الآن. هذا ما كان في عرض الافتتاح الفرنسي «حتى انقطاع النفس» الذي قدَّمه ثلاثة عازفين، ثم عرض فرقة الدمى الأفضل تقنياً، تلاهما عرض «مواطنون» الألماني الذي تابعه الجمهور باهتمام في البداية، لكن الضجر راح يتسرب إليه مع الأداء المكرور لشخصيتي العرض.
نودّع عروض أيلول، ونتطلع بشوق إلى العروض القادمة في تشرين الأول (أكتوبر). البرنامج يتضمن أربعة عروض لبنانية. «وجهة نظر» للتوأم رشا ولينا جوخدار. «أنتَ يا مَن تنظر إلينا» لرامي نيحاوي. «فن برازيلي» لفرقة Capoeira. وأخيراً عرض «أزِل هذا القناع عن وجهك» لهاشم عدنان ونسرين مسعود. وهناك عروض لتشرين الثاني (نوفمبر) سيُعلن عنها لاحقاً.
هذه الملاحظات لا تلغي أهمية المهرجان كموعد ثابت ومنتظر في روزنامتنا الثقافية. إنّه تقليد ممتع أن تأتي العروض إلى الجمهور بدل أن يذهب إليها... فلنأمل وننتظر. لعل مفاجآت المهرجان مخبّأة في قادم العروض.


مهرجان بيروت لعروض الشارع ـ حتى نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) ـ للاستعلام: 03/810688