منذ إندلاع الاحتجاجات السورية، اختار الصحافي السوري ناجي الجرف (1977-2015) أن يقف إلى جانب الحراك، ويبذل قصارى جهده لتوثيق أي انتهاك يجري بحق المتظاهرين وأنشطتهم السلمية. ومع عسكرة الثورة وأسلمتها، قرر الجرف كحال مئات الآلاف من أبناء شعبه السفر خارج سوريا. لكن الفرق أن الشاب اختار مكاناً محاذياً لبلاده على أن يظلّ في قلب الحدث. هكذا، أقام مع زوجته وطفلتيه في «غازي عنتاب» التركية منذ حوالي ثلاث سنوات، وراح ينتقل إلى الداخل السوري، ليصنع أفلاماً وثائقية ويكتب مقالاته الصحافية قبل أن يعيد مع مجموعة أصدقاء له إصدار مجلة «حنطة» ويرأس تحريرها. و«حنطة» مجلة أسسها في سوريا على أمل أن تحاكي بنسخة ورقية العالم الافتراضي، ثم تفرّغ مع مجموعة ناشطين لإطلاق حملة «الرقة تذبح بصمت» التي تعرّف عن نفسها بأنها «نشاط تقوم به مجموعة مستقلة لتوثيق الجرائم والإنتهاكات التي ترتكب بشكل دوري بحق أهالي الرّقة، وقد بدأت الحملة بعد إرتكاب تنظيم «داعش» إنتهاكات لحقوق الإنسان وإنتهاجه سياسة تكميم الأفواه، وخنق الحريات في المدينة عبر ملاحقة نشطاء الداخل واعتقالهم، إضافة إلى الاعتقالات العشوائية وارتكاب الكثير من جرائم القتل بحق المدنيين والناشطين على حدٍ سواء... نحن صفحة إعلامية مدنية مستقلة لا نتبع لأي جهة عسكرية أو سياسية». وبالفعل كان ناجي رأس حربة في هذه الحملة، إضافة إلى جهوده المستقلة في كشف النقاب عن الممارسات القمعية التي تقوم بها الجماعات الأصولية. على سبيل المثال، أعدّ وأخرج وثائقياً بعنوان «داعش في حلب» (26 دقيقة) عرضته قناة «العربية» حيث وثّق اختطافات التنظيم لناشطين مدنيين ومواطنين مسالمين بحجج وذرائع مختلفة، ويرجّح بأن الشريط كان السبب الرئيس وراء اغتياله. إضافة إلى ذلك، شارك في عدد من الأفلام الوثائقية، وأشرف على دورات تدريب «المواطن الصحافي» التي تعد أشخاصاً عاديين ليكونوا مراسلين وصحافيين ميدانيين، وسط ظروف تحول دون دخول الصحافة إلى أماكن الاقتتال. كذلك أسس مع مجموعة زملاء له في غازي عنتاب مؤسسة «بصمة سورية» لتعنى بطرح منتجات سمعية وبصرية وملصقات فنية ورسومات كاريكاتورية، تحمل رسائل توعوية تخاطب مختلف شرائح المجتمع السوري.مع تزايد نشاط حملة «الرقة تذبح بصمت»، تناقلت مواقع إلكترونية قبل أسابيع خبر العثور على اثنين من ناشطي هذه الحملة، وهما ابراهيم عبد القادري وفارس حمادي مقطوعي الرأس في بيت أحدهما في مدينة أورفا التركية، وتلقّى بقية أفراد الحملة وعدد كبير من الصحافيين السوريين المقيمين في «غازي عنتاب» تهديدات جدية بالتصفية، ما جعل غالبيتهم يمتنع عن المغامرة والدخول إلى الأراضي السورية مجدداً. لكن في وضح النهار وبتمام الساعة الرابعة عصراً من يوم أمس، سلّط مسدس مزوّد بكاتم صوت على صدر الصحافي ناجي الجرف في مدينة غازي عنتاب، وأطلق عليه الرصاص ليسقط شهيداً جديداً من شهداء الصحافة السورية. الملفت بأن الصحافي السوري كان يستعد للسفر بعد ساعات قليلة إلى فرنسا بعدما حصل على تأشيرة دخول.
الراحل من مدينة السلمية عاش فترة في مدينة حماة قبل أن ينتقل إلى دمشق، وقد تخرّج من «قسم الفلسفة» في «جامعة تشرين» في اللاذقية. وسبق أن عمل في الأنيميشين، إضافة إلى عمله في الصحافة المكتوبة.