حسين بن حمزةبروايتهما «غبار في الفضاء» (دار الجديد)، وهي الثانية بعد «خيال الصحراء» التي صدرت مباشرة بالألمانية (دار زوركامب)، يشقّ مازن عبد الله وحيدر صفا درباً ضيقة جداً في حقل الرواية اللبنانية والعربية. الرواية تنتمي إلى الخيال العلمي، بينما الروايات العربية في هذا المجال نادرة وقديمة. تقترح الرواية أنّ العالم سينقسم إلى عالمين سنة 2050. عالم الزمن المحنّط، وعالم التكنولوجيا المتطورة. ساكنو الكهوف مقابل ساكني الأبراج. الفسطاطان اللذان تحدث عنهما أسامة بن لادن بعد 11 أيلول (سبتمبر) يجدان ترجمة لهما في الرواية. من الواضح أن سكنة الكهوف يمثّلون العالم العربي والإسلامي في المستقبل، بينما سكنة الأبراج يمثلون أميركا. الرواية كلها تدور حول محاولات العالم الثاني للسيطرة على العالم الأول والقضاء عليه. ثمة مبنى اسمه «الأوكتاغون» (النسخة المستقبلية للبنتاغون)، وجنرال اسمه فايسكوف. وهناك مركز أبحاث يشرف عليه «الرجل القزم»، حيث يجري الدكتور برازاوسكاس أبحاثاً للتوصل إلى طريقة لإنتاج الأحلام. برازاوسكاس يجري أبحاثه على فتاة (بيرنا) لديها القدرة على استحضار الأحلام التي تريدها. بيرنا على علاقة مع يورغن. الاثنان يدرسان في جامعة زولينغن في ألمانيا. في النهاية، ينجح فايسكوف في بث حلم موحّد يراه سكنة الكهوف معاً، ويأمرهم بحفر قبورهم بانتظار أن يُدفنوا. يستيقظون وينفذون ما طُلب منهم. يرسل الأوكتاغون سرب طائرات تطلق قنابل هوائية تولّد زوابع تطمر المنتظرين بالرمال التي كوّموها بجانب قبورهم. في طريق العودة، يستعيد قائد السرب ما حدث في ناغازاكي، فيوجّه الطائرة نحو الأرض وينتحر.
في هذه الأثناء، يكتشف الدكتور الهدف الحقيقي للأبحاث التي يقوم بها. فيرفض أن يُستخدم اكتشافه لأهداف شريرة. يقرر التوقّف رافضاً التحوّل إلى ألفرد نوبل آخر. بيرنا تعود إلى صديقها يورغن. بينما يكتشف الجنرال فايسكوف أنه مستنسخ، هو وجميع العاملين معه. قبل ذلك، يعرف القارئ أن الغبار الذي يحيط بالقمر «تيتانوس»، حيث يوجد استوديو الأحلام، ليس سوى بقايا المستنسخين الذين يتم تفتيتهم بعد الانتهاء من استعمالهم. يغادر الجنرال الأوكتاغون، ويفجّره بكبسة زر من مركبته.
الرواية تنتهي باستيلاء الرجل القزم على الأقراص المدمجة التي تحتوي على الأحلام. يؤسس شركة لاستثمار سلسلة مقاهٍ ومطاعم تحمل اسم «دريمز لاند»، حيث يستطيع الزبون أن يحصل على قيلولة بصحبة الحلم الذي يريده.
لا يبني عبد الله وصفا روايتهما على فانتازيا أو خيال محض. الرواية تقترح واقعاً سيحدث بعد خمسين سنة. القارئ مدعوّ إلى تخيّل ذلك الواقع أكثر من قراءة رواية خيالية. الإشارة إلى نوبل وناغازاكي ليستا الوحيدتين اللتين تذكّران بالواقع. ثمة إشارات أخرى واضحة أحياناً ومضمرة أحياناً أخرى. لكنّ هذا لا يعني أن الرواية ستختلّ لو غابت هذه الإشارات. القصد أن الكاتبين لم يغفلا عن كونهما ينجزان رواية في المقام الأول. على القارئ أن يحكم على قيمة ما يقرأه بصرف النظر عما إذا كانت الرواية تنتمي إلى الخيال العلمي أو لا. في هذا السياق، علينا أن نعترف لـ«غبار في الفضاء» بقدرتها على جذب القارئ وإمتاعه.