باسكال لوجييه «شهيد» السياسة «الساركوزية» باريس ــ عثمان تزغارت
عندما عُرض Martyrs (شهداء) للفرنسي باسكال لوجييه في «سوق الفيلم» خلال مهرجان «كان السينمائي» الأخير، أجمع النقاد على أنّه «أفضل شريط رُعب في تاريخ السينما الفرنسية». ما جذب إليه أبرز موزّعي هذا الصنف من الأفلام عبر العالم، وبيعت حقوقه في 35 دولة. وهذا رقم قياسي لم يحققه أي فيلم رعب غير أميركي في ظل الهيمنة الهوليوودية على هذه الفئة من الأفلام الموجّهة أساساً إلى الشباب.
كان دافعنا لمشاهدة الفيلم في «كان» مغايراً. إذ أردنا رؤية النجمة المغربية الصاعدة مرجانة العلوي في أول دور بطولة لها في فيلم أوروبي، بعد اكتشافها في «كان» 2005، من خلال Marock لليلى مراكشي. فوجئنا بأنّ «شهداء» أقرب إلى سينما المؤلف منه إلى سينما الرعب التقليدية. فهو ـــــ كما يقول منتجه ريشار غرانبيار ـــــ «أقرب إلى عوالم مايكل هانيكي منه إلى سلسلة أفلام الرعب Saw. وهو يذكّر بشريط إشكالي للمنتج ذاته هو Irréversible (إخراج غاسبار نوي، المسابقة الرسمية في مهرجان «كان» 2002)، لكونه شريطاً تأمّلياً في ظواهر العنف والإجرام أكثر منه فيلماً يتلذذ بالعنف والرعبلكنّ الحفاوة النقدية التي حظي بها الفيلم لم تحصّنه من الرقابة التي تهدّد بحجبه عن الجمهور في بلد فولتير، في أول سابقة رقابية في فرنسا، منذ أواخر الستينيات. الفيلم كان مقرراً طرحه في الصالات الفرنسية في 18 حزيران (يونيو) الماضي، لكنّ لجنة تصنيف الأفلام التابعة لوزارة الثقافة الفرنسية قرّرت بأغلبية 13 صوتاً مقابل 12، تصنيفه ضمن فئة الأفلام الممنوعة تحت سن الـ 18، وهي مخصّصة عادة للأفلام الإباحية. ما جعل غالبية الصالات التي كانت ستعرض الشريط (مئة صالة) تتراجع عن برمجته. بينما لم تجرؤ على الاحتفاظ بالفيلم سوى 5 صالات متخصصة في سينما المؤلف، ما اعتبره موزّع الفيلم رقابةً غير مباشرة، فقرر تأجيل موعد طرحه في الصالات حتى مطلع الخريف المقبل، أملاً باستئناف قرار لجنة التصنيف أمام وزيرة الثقافة، كريستين ألبانيل التي تعود إليها الكلمة الفصل في الأمر.
وقد ناشدت «جمعية المخرجين السينمائيين» الوزيرة الفرنسية خفض تصنيف الفيلم إلى فئة السينما الممنوعة للجمهور دون سن الـ 16، كما هو معمول به عادة لأفلام الرعب. لكن الوزيرة تنصّلت من المسؤولية، واكتفت بطلب إعادة عرض الفيلم على لجنة التصنيف قبل الموعد الجديد المقرر لطرحه في الصالات الشهر المقبل.
ولفتت «جمعية السينمائيين الفرنسيين» إلى أنّ فئة الأفلام الممنوعة تحت سن الـ 18 مخصصة عادةً للأفلام البورنوغرافية، وتصنيف Martyrs ضمنها يعني حرمانه من العرض في الصالات الموجهة للجمهور الواسع، وأيضاً منع عرضه تلفزيونياً إلا على القنوات المشفّرة، وفي فترات البث المتأخرة. كما أنّ التضييقات ذاتها ستعترض تسويقه على شكل «دي في دي»، ما اعتبرته «جمعية السينمائيين الفرنسيين» عودةً غير معلنة للرقابة على السينما التي أُلغيت أواخر الستينيات.
وكانت لجنة الرقابة على الأفلام قد حُلّت في أعقاب انتفاضة مايو 1968، وأُنشئت مكانها لجنة لتصنيف الأفلام تابعة لوزارة الثقافة تعنى بحماية الأطفال والقاصرين من مشاهد العنف والجنس. وعمل هذه اللجنة كان يقتصر فقط ــــ منذ أربعين سنة ــــ على تصنيف الأفلام قبل طرحها في الصالات إلى أربع فئات: الأفلام العائلية الموجهة للجمهور الواسع. الأفلام الممنوعة للجمهور تحت سنّ الـ 12، وتشمل الأفلام التي تتضمن مشاهد عنف. الأفلام الممنوعة دون سن الـ 16، وتشمل أفلام الرعب. وأخيراً فئة الأفلام الممنوعة تحت سن الـ 18، وتخصّ الأعمال الإباحية.
لكن ضغوط جمعيات العائلات المحافظة أدت إلى إصدار مرسوم وزاري عام 2001 يسمح بتصنيف أي شريط ذات مضامين «غير أخلاقية» ضمن فئة الأفلام الممنوعة تحت سنّ الـ 18، وإن لم تتضمن مشاهد جنسية. وكان ذلك على خلفية الجدل الذي أثاره Baise moi لفيرجيني ديبانت، في صيف 2001. وقد منع الفيلم آنذاك تحت سن الـ 18. لكن احتجاجات الوسط السينمائي أدت إلى إلغاء القرار من «مجلس الدولة» (معادل للمحكمة الدستورية العليا في فرنسا).
منذ تلك الفترة، بقي مرسوم تمّوز/ يوليو 2001 مجمّداً، حتى وصول ساركوزي إلى السلطة، وما رافق هذا التحول من سياسات يمينية متشددة. ففي الخريف الماضي، أصدرت لجنة تصنيف الأفلام قراراً بمنع عرض النسخة المرممة رقمياً لفيلم كلاسيكي ياباني يعود إلى عام 1966، لمن هم دون الـ 18، في الصالات الفرنسية. علماً بأنّ فيلم «حين تذهب الأجنّة إلى الصيد» The Embryo Hunts In Secret، للسينمائي الكبير كوجي واكاماتسو، تجريبي شهير مستوحى من تراث الماركي دو ساد. ولم تنجح احتجاجات الجمعيات السينمائية الفرنسية واليابانية في تخفيف قرار الحظر لمن هم سن الـ 16. وبالتالي لم يتمكن الجمهور الفرنسي الواسع من رؤية هذا الفيلم الذي يعدّ من كلاسيكيات التراث السينمائي العالمي.
وتخشى الأوساط السينمائية الفرنسية أن يكون تحريك مرسوم تموز/ يوليو 2001 مجدّداً ضد فيلم Martyrs مقدمة لإعادة فرض رقابة سياسية وأخلاقية غير مباشرة على السينما في بلد الحريّات، وموطن الأخوين لوميير مؤسّسَي الفن السابع!