باكورته بلا مؤثرات ولا نجوم، لكنّها تعيد الاعتبار إلى السينما الرومنسية... أليخاندرو مونتيفردي هو اكتشاف السينما الأميركية هذا العام
علي زراقط
يمكن القول إنّ «بيللا» للمخرج الأميركي من أصل مكسيكي أليخاندرو غوميز مونتيفردي هو فيلم أميركي ذو نفس وحساسيّة أوروبيين. لم يكن الطعام وكرة القدم يوماً من اهتمامات السينما الأميركية. إلا أنّ «بيللا» يستمتع بمَشاهد صناعة الطعام ولاعب يداعب كرة. تجتمع في الفيلم عناصر لا تصنع عادةً النجاح بالنسبة إلى فيلم هوليوودي. فهو باكورة مخرج مغمور بلا مؤثرات خاصة ولا نجوم كبار. ومع ذلك، فاز الشريط بجائزة «الجمهور» في مهرجان «تورونتو». وقد اعتدنا سابقاً أن نشاهد أفلاماً مثل Crouching Tiger Hidden Dragon و«الجمال الأميركي» تفوز بهذه الجائزة لتتوجه مباشرة نحو حصد جوائز الأوسكار.
تبدأ قصّة «بيللا» الذي يُعرض حالياً في الصالات اللبنانية، بتفاصيل صغيرة، كطباخ يقطّع الخضار، وامرأة في متجر تنتقي فوطاً صحية. تجتمع هذه التفاصيل رويداً رويداً لنكتشف أن خوسيه (إدواردو فيراستغوي) هو الطبّاخ الأول في مطعم يملكه أخوه ماني. أما نينا (تامي بلانشار) فهي نادلة تعمل في المطعم عينه منذ أربع سنوات. تُطرد نينا من المطعم، فيحاول خوسيه الدفاع عنها، ويلحق بها في شوارع نيويورك. الشخصان يعرفان القليل عن بعضهما، وهنا تبدأ الحكاية.
يبدو خوسيه رجلاً مختلفاً، فناناً في المطبخ، إلا أنّ حزناً ما يتوارى خلف هدوئه في العمل. أما نينا القاسية الملامح، والمتجهمة، فالحزن والهم باديان على وجهها. الوجوه تحكي كل شيء عن التقارب بين الشخصيتين: من البكاء، والصراخ إلى الابتسام والضحك، مروراً بالمفاجآت الآتية من ماضي كل منهما. أما الألم فهو الذي يجمع قصتيهما. نعلم أنّ خوسيه كان لاعب كرة قدم مشهوراً، وأن نينا تنتظر طفلاً، وأنّ هناك أمراً مأساوياً أوقف خوسيه عن اللعب، وأن نينا لا تملك المال لرعاية طفل. كل هذا نعرفه ونحن نتجول على أرصفة نيويورك. شوارع نيويورك قلما تبدو رحبةً وأليفة إلى هذا الحد في السينما.
افتتان الفيلم بشوارع نيويورك، يذكّرنا بمخرجين مثل وودي ألن وروبرت ألتمان اللذين ارتبط اسماهما بالمدينة الكوزموبوليتية. إلا أنّ المختلف في رؤية مونتيفردي هو نظرة الامتنان إلى هذه المدينة. تتوقف نينا على مفترق طرق، لتعبّر كم أنها ستشتاق إلى نيويورك المدينة التي تجتمع فيها الثقافات كلّها. كذلك تقف كاميرا مونتيفردي على الأرصفة الحقيقية لتصوّر الشوارع بلا افتعال، تصير نيويورك مدينةً للحياة لا للمشاهدة. عندما يدخل خوسيه ونينا إلى مطعم ليتناولا الطعام، لا نعلم أنّ المطعم فرنسيّ إلا عندما يطلبا الطعام. وحين ينزلان إلى محطة المترو ليستقلا القطار إلى الضواحي حيث عائلة خوسيه، نرى اسم محطة بنسلفانيا واضحاً كأنّه يقول لنا: «أنا أستقل هذا القطار كل يوم».
هذه النظرة التي ترى نيويورك على رحابتها، كمدينة لممارسة الحياة على الأرصفة، كما في البيوت والمقاهي، تتخطى الدهشة وتذهب إلى الإلفة مع الشوارع، لكنها تحمل امتناناً للمدينة التي منحت مُخرجاً مهاجراً من المكسيك الفرصة لأن يكون لثقافته مكان بين ثقافات أخرى. الثقافة المكسيكية نراها من خلال المطعم، لباس النادلات، الطعام، الموسيقى اللاتينية، وبالأخص المنزل وعائلة خوسيه الدافئة.
الحكاية هي تفاصيل صغيرة، بعضها محزن ومؤلم، وبعضها الآخر مفرح يدعو إلى التفاؤل. يوم من العلاقات الأسرية. ويوم من السير في شوارع المدينة الأغنى في العالم. ويوم من علاقة جديدة بين رجل وامرأة. هي علاقة حب، إلا أنّها لا تفصح عن نفسها أكثر من ذلك. ينسج مونتيفردي فيلمه كقطع Puzzle تربط بين أجزائها خيوط رفيعة. ويحمل كاميراه ببساطة تقارب التلقائية. لا شك في أنّ هذا المخرج هو اكتشاف السينما الأميركية هذا العام، وأن «بيللا» سيعيد الأفلام الرومنسية العائلية إلى الواجهة.

Bella حالياً في «أمبير صوفيل»، الأشرفية ـ 01/204080