وجهة نظر مغربيّة في معركة الأونيسكوالرباط ــــياسين عدنان
تتواصل حملة وزير الثقافة المصري فاروق حسني للوصول إلى منصب المدير العام لـ«المنظمة العالميّة للتربية والثقافة والعلوم» ــــ الأونيسكو، بالأسلوب الغلط... في المحافل الغلط. «سأحرق الكتب»، «لن أحرق الكتب». حوار مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية لتوضيح المعنى العميق لعبارة حرق الكتب التي فهمها الأهل والجيران بشكل حرفي مع الأسف. بيانات وبيانات مضادة. أدونيس ومحمود درويش وجابر عصفور يدعمون ترشيح حسني للمنصب باعتباره الأقدر «على جعل المرحلة المقبلة للأونيسكو مرحلة نماء وازدهار»، وبيانات مضادّة لمثقّفين مصريين ينبّهون إلى عدم أهليّة الوزير لهذا المنصب ويذكّرون بالكوارث التي حلّت بالثقافة المصرية في عهده.
العارفون بمعايير الأونيسكو وآليات الانتخاب الدولي، يدركون طبعاً أنّ كل هذه «الزيطة والزمبليطة» ليست أكثر من زوبعة في فناجين الشرقأوّل ما يُطالَب به المرشحون لهذا المنصب، هو أن تكون لديهم ضمانات جدية. فما هي ضمانات أقدم وزير ثقافة في العالم؟ ردّد فاروق حسني، في أكثر من مناسبة، بأنّ ضماناته الأساسية تتمثل في «العلاقات القوية التي تربط الرئيس حسني مبارك بمعظم قادة دول العالم ورؤسائه».
هذا إضافة إلى ما أعطاه شخصياً للثقافة المصرية التي خدمها على مدى عشرين عاماً». مرة أخرى، هذه ليست ضمانات، بل مجرد كلام للاستهلاك الداخلي. فالعلاقات التي تربط رئيس بلد ما بقادة العالم لا تعني كثيراً المجلس التنفيذي للأونيسكو، المؤهل لاختيار مَن يراه أهلاً للمنصب، بموجب القانون الداخلي للمنظمة، وعرضه على المؤتمر الذي قد يزكّي اختيار المجلس أو يلجأ إلى التصويت، علماً بأنّ المتعارف عليه في الأونيسكو أنّ المؤتمر يتبنّى عادةً اقتراح المجلس. أما حكاية تربُّع الوزير لعقدين كاملين على عرش الثقافة في مصر، فهي تحرج كثيراً مسانديه داخل المنظمة الدولية. فهذه الأسطوانة بالضبط قد تخلّف أثراً عكسياً على أعضاء المجلس التنفيذي، لذا سيكون من الأفضل لمرشّح «مصر والعرب» ألا يلوّح كثيراً بهذه الورقة خلال حملته.
هذه كلها مجرد تفاصيل. فما يقضّ مضجع الوزير فاروق حسني، هو تجرّؤ أكاديميّة من المغرب الأقصى على الترشّح «ضدّه» لمنصب المدير العام للأونيسكو، خارجةً بذلك عن الإجماع العربي. صرّح فاروق حسني: «كنتُ أتمنى حصول إجماع عربي واختيار مرشح واحد لمنصب المدير العام لمنظمة الأونيسكو. فتعدّد المرشحين قد يُشرذم الأصوات، وبالتالي تقلُّ فرصة العرب في الفوز بهذا المنصب».
ولم تتردد بعض الصحف والمجلات المصرية في المطالبة بتحقيق إجماع عربي على المرشح المصري.
في مقالة بعنوان «وزير ثقافة العالم»، طالب رئيس تحرير مجلة «الهلال» «بعض الأشقاء العرب بإعادة النظر في موقفهم»، على أساس أنّ «التاريخ يؤكد أنّ مصر كانت ولا تزال صوت كل العرب، ونجاح مرشح مصري هو تكريم ونجاح لكل عربي من اليمن حتى المغرب».
ردّاً على دعوة المغرب إلى التنحّي وعدم الدخول في منافسة مع مصر، لا يتوانى بعض الخبثاء في المغرب، عن التذكير بمنافسة سابقة خاضها المغرب ومصر وجنوب أفريقيا لاستضافة نهائيات كأس العالم 2010. كان المصريون يطالبون المغرب بالانسحاب من أجل وحدة الصف العربي.
وقد أثبتتِ النتائج لاحقاً أنّ الترشيح المغربي كان أكثر جدية. فإذا كانت جنوب أفريقيا قد فازت بـ 14 صوتاً، فالمغرب جاء ثانياً بعشرة أصوات، ولم يحصل الملف المصري على أيّ صوت.
لكن مَن هي أصلاً هذه المرشحة المغربية التي تدخل اليوم السباق في اتجاه منصب «يبدو» أكبر منها؟ يعرف قليلون أنّ الأكاديمية والدبلوماسية المغربية عزيزة بناني (1943) كانت أول شخصية دولية أعلنت ترشيحها لتولّي الإدارة العامة للأونيسكو في الدورة المقبلة
(2009).
وهو الترشيح الذي زكّاه المغرب يومذاك عبر وزير الخارجية السابق محمد بنعيسى الذي وجّه رسائل إلى وزراء خارجية الدول الأعضاء في المنظمة يدعوهم فيها إلى دعم المغرب رسمياً لترشيح السفيرة بناني. حدث ذلك قبل خمسة أشهر من قيام فاروق حسني بإعلان ترشيحه.
كذلك فإنّ بناني، الرئيسة السابقة لـ«المجلس التنفيذي» للأونيسكو تقود حملتها بهدوء داخل أروقة المنظمة الدولية، وبين أعضاء المجلس التنفيذي المؤهل القانوني الوحيد لاختيار الرئيس
المقبل.
وعلى عكس الوزير المصري الذي يراهن كثيراً على الصحافة في حملته، ترى عزيزة بناني، المعروفة بابتعادها عن الأضواء، أنّ الحملة الانتخابية لهذا المنصب بالذات يجب أن تخاض في مكان آخر.
تستمد بناني شرعيتها من سمعتها داخل المنظمة التي تقلّدت فيها مناصب عدة. فهي عضو في لجنة التحكيم الدولية للتراث الشفوي وغير المادي للأونيسكو، ورئيسة لجنة القدس في المجموعة العربية، من دون أن ننسى أنّها أوّل امرأة في تاريخ المنظمة، تتولى رئاسة المجلس التنفيذي للأونيسكو لدورتين
متتاليتين...
هذا المجلس ذاته هو الذي يحسم هوية المدير العام الجديد قبل أسابيع من المؤتمر العام للمنظمة المزمع انعقاده في تشرين الأول (أكتوبر) 2009.
فهل ستنجح السفيرة مجدداً في كسب ثقة جميع زملائها في المجلس التنفيذي، ليصير التصويت عليها خلال المؤتمر المشار إليه، مجرد إجراء شكلي؟ أم أن احتمالات أخرى ستفاجئنا خلال الأشهر المقبلة؟


من الأدب إلى الدبلوماسيّة تجيب عزيزة بناني: «يجب على المرشّح أن يمتلك برنامج عمل دقيقاً، واستراتيجية شمولية ترصد واقع الأونيسكو وتقدّم مشاريع محكمة قابلة للتنفيذ لتطوير أداء المنظمة، إضافةً إلى امتلاكه تصوراً عميقاً لمستقبل المنظمة التي دأبنا على تسميتها ضمير الإنسانية».
بعد استكمال الترشيحات، يتولى المجلس التنفيذي النظر في برامج المرشحين وتصوراتهم، حيث يُجري مقابلة مع كل واحد منهم لمعرفة برنامج عمله وخطته الخاصة لتطوير المنظمة.
وخلال هذه المقابلات، يضيق هامش الإنشاء والبلاغة والشعارات.
فأعضاء المجلس التنفيذي يضعون جدية المشاريع وقابلية البرامج للتطبيق وعمق التصورات فوق كل اعتبار.
ويبدو أنّ عزيزة بناني المختفية تماماً عن الأنظار، منهمكة كلياً في إعداد المشروع الذي تنوي تقديمه أمام أعضاء المجلس الـ 58.
وكانت هذه المرأة، التي تتقن العربية والفرنسية والإسبانية والإنكليزية والبرتغالية والإيطالية، قد جاءت إلى الدبلوماسية من الأدب.
حصلت على دكتوراه في الأدب الأميركي اللاتيني بالإسبانية قبل أن تعيّن عميدة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة الحسن الثاني في البيضاء.
ثم عُيِّنت في الحكومة المغربية أول مرة عام 1994 كمندوبة سامية للأشخاص المعوّقين، ثم وزيرة للثقافة حتى 1998، قبل أن تُعيّن سفيرة دائمة للمغرب في منظمة الأونيسكو منذ 1998.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2001، انتُخبت بالإجماع، منذ الاقتراع الأول، رئيسةً للمجلس التنفيذي للأونيسكو.
هكذا، ظلّت على مدار أربع سنوات تُشرف على تنفيذ كل برامج الأونيسكو وتراقب أوجه صرف موازنة المنظمة.