«طاش» يودّع الجرأة هذا الموسم

العمل الوحيد الذي أسقط فتوى بتحريمه، وسخّرت المساجد والمدارس لمهاجمته: «طاش ما طاش» يتوقف هذا العام، تاركاً وراءه 15 عاماً من النجاحات والمعارك، ليطلّ علينا عبد الله السدحان وناصر القصبي في مسلسل «خفيف»... فماذا عن «كلنا عيال قرية»؟

علي فواز
لم يثر أي عمل فني جدالاً داخل السعودية كما فعل المسلسل الكوميدي «طاش ما طاش»: من فضح الفساد داخل الوزارات، إلى مناقشة قضايا تمسُّ عصب المجتمع القبلي، ثم كشف عورة التيار الديني المتشدد... في البداية، فوجئ المشاهد السعودي بأن جرأة التعرُّض لقضاياه وصلت، للمرة الأولى، إلى حدّ نقد القضاء وهيئة سوق المال وغيرها، وإن احتفظت بهامش من المداراة، لتضمن تملّصها من مقص الرقيب. لكن مما لا شكّ فيه أن أهم إشكالية واجهها «طاش» وساهمت في شهرته التي وصلت إلى الصحافة الغربية، هي اصطدامه مع التيار السلفي المتشدد. وذلك بعدما تعرَّض له بالنقد والتهكم، مسقطاً أحد المحرمات التي لم يجرؤ أحد على المساس بها. واستدعي القصبي والسدحان إلى المحاكمة على أثر عرض حلقة «واتعليماه» التي كشفت عن تغلغل التيار المتشدد في التعليم. لكن الملك أوقف المحاكمة... وبقي صدر الرقابة يضيق بتجاوزات «طاش» إلى أن صدرت فتوى بتحريمه.
ووصل التفاعل مع المسلسل المشهور بأسلوبه النقدي الساخر، إلى أن أصبح بمثابة دار للمظالم الوطنية، تتلقى شكاوى المواطنين أملاً بعرضها في حلقاته. ولكن، هل كان لـ«طاش» أن يخرق الخطوط الحمر، وخصوصاً تجاه التيار السلفي المتشدد، لولا دعم الدولة؟ وما هي حقيقة توجهات الشعب السعودي الذي عرف بالمحافظة وتأييد التيار السلفي؟ أسئلة حملناها إلى الدكتور عبد الرحمن الوابلي، واحد من فريق عمل «طاش» الذي كتب حلقات عدة، أبرزها «من دون محرم» و«ليبراليون ولكن» اللتان أثارتا ردود فعل داخل مجلس الشورى.
ينفي الوابلي أن يكون الشعب السعودي بأغلبيته مؤيداً للتيار المتشدد، كاشفاً عن «وجود أغلبية صامتة انحازت إلى الخطاب المنفتح الذي مثّله المسلسل». وماذا عن علاقة «طاش» بالحكومة التي يرى بعضهم أنها وقفت وراءه لتنفيس غضب الناس، وخصوصاً أنه ظل يعرض في التلفزيون السعودي بإشراف وزارة الثقافة والإعلام ومراقبتها على مدى 13 عاماً، قبل أن ينتقل في العامين الأخيرين إلى mbc السعودية؟ يرى أن الدولة دعمته لأغراض اجتماعية وثقافية، و«من الصعب تسميتها سياسية رغم أن كل شيء يتعلق بالنهاية في السياسة».
أما استمرار «طاش» طيلة السنوات الماضية، فيعزوه إلى أنه أول عمل درامي كوميدي يلبّي تعطّش الناس إلى النقد، وكان سباقاً إلى ذلك حتى على الإعلام المحلي. ويشدد هنا على أن صنّاع العمل كانوا يملكون شجاعة معطوفة على حصانة يستمدونها من شعبيتهم كنجوم، ما يشبه حالتي دريد لحام وعادل إمام. بينما كان القائمون على الصحافة المحلية يخافون على مناصبهم. ويشير إلى أن انتقال «طاش» إلى mbc جاء لأسباب بيروقراطية، تتعلق بالإنتاج والمردود المادي، مؤكداً أن هامش الحرية لم يتغير، «لأن المسلسل عُرف بجرأته منذ البداية».
ومع ذلك، لا ينفي الوابلي تعرّض حلقات إلى مقصّ الرقيب في التلفزيون السعودي، كاشفاً أن بعض الاسكتشات كانت ترفع إلى بعض المسؤولين في الدولة، من خارج وزارة الإعلام، لكي لا تتحمل وحدها مسؤولية إجازة العمل، ومنها حلقة «واتعليماه». لكن أمراً آخر يكشفه عبد الرحمن الوابلي: لقد حاول نجما العمل إيقافه منذ «طاش 6» و»طاش 10»، إلا أن وزارة الثقافة والإعلام و«مسؤولين كباراً» في الدولة أبدوا رغبتهم بأن يستمر العمل.
ولماذا تصادم المسلسل مع السلفيين؟ يجيب: «خلال السنوات العشرين التي سبقت 11 سبتمبر، ظهر في المملكة ما يسمى بتيار «الصحوة» الذي استطاع تهميش الفن وإلغاء المسرح الجامعي والمدرسي والدراما، وأخذ يشكك في كل إبداع أو جديد على مستوى الرياضة والأدب والفن. وظهرت الأشرطة الوعظية والمحاضرات المتشنّجة والمتوهمة، وبدأت تخلق جواً متوتراً مفاده أننا محاطون بمؤامرات حتى من بني جلدتنا. طبعاً كل هذا الهراء، أثبتت الوقائع عدم صحته. وعلى العكس، أثبتت الأحداث أننا وبلادنا لم نكن مستهدفين، إلا من ذاك التيار وحده. وهذا ما حذر منه «طاش» وتوقعه، قبل أن تتجرأ أي وسيلة إعلامية أو تعليمية على ذلك. ولأنه يمكن النظر إلى الدراما على أنها فن إبراز التناقضات، أصبح خطابهم المأزوم الذي يعجّ بالتناقضات، مادة دسمة لـ«طاش». وهذا ما سبّب أزمة مع المسلسل، وخصوصاً بعدما حصد جماهيرية واسعة. فيما كان يعتقد أولئك أنهم أنهوا العمل الفني وأصبحوا هم وحدهم النجوم في سماء المجتمع... وحينها، لم يكن منهم سوى إقناع بعض أعضاء هيئة كبار العلماء باستصدار فتوى تحرّم العمل».
لكن أين صناعة التاريخ التي يدّعي الوابلي أن «طاش» أرساها من ذلك؟ «عدم استجابة الناس والمسؤولين لهذا الزخم الهائل من الفتاوى هي صناعة للتاريخ وبجدارة. كما صنعنا عملاً درامياً احتل بجدارة المركز الأول في المشاهدة على مستوى العالم العربي، علماً بأننا في المملكة لا نملك بنية تحتية لصناعة الدراما».