بيار أبي صعبحين عُيّن هذا الأكاديمي والمؤرّخ سفيراً للبنان لدى مصر، ومندوباً دائماً في الجامعة العربيّة، خاف بعضهم على مشروعه الفكري والأدبي. لكنّ خالد زيادة (١٩٥٢) الذي اكتشف الدبلوماسيّة في مرحلة عكرة من تاريخنا الراهن، عرف كيف يحمي نفسه من الفخّ ــ هو الذي درس ارتباط «المثقّف» بالسلطة في الحقب المملوكيّة والعثمانيّة والحديثة («كاتب السلطان، حرفة الفقهاء والمثقّفين») ـــ كما عرف كيف يتعالى على الانقسامات الداخليّة في مرحلة انحسر فيه دور العقل.
بعد «الخسيس والنفيس، الرقابة والفساد في المدينة الإسلاميّة»، ها هو يصدر عن «دار الريّس»، كتاباً «عن» عبد الرحمن الجبرتي بعنوان: «العلماء والفرنسيس في تاريخ الجبرتي». فضلاً عن أهميّة العودة إلى صاحب «تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار» الذي يعدّ مرجعاً أساسيّاً للإحاطة بتاريخ مصر في مرحلة خصبة بالتحوّلات، سبقت الحملة الفرنسيّة وعاصرتها، يندرج الكتاب، في سياق رصد تلك «المجابهة بين التأريخ التقليدي والأزمنة الحديثة». وسؤال التحديث في مواجهة الأنماط التقليديّة، يبدو الخيط الخفي الذي يربط بين مؤلفات علميّة وأدبيّة عدّة تحمل توقيع خالد زيادة.
خلال العقد الماضي، وضع خبرته كمؤرّخ، وأبحاثه الميدانيّة في السجلات والوثائق، وإلمامه بالعلوم الاختباريّة (سوسيولوجيا، أنتروبولوجيا...)، في خدمة مدينته طرابلس، فكتب سيرتها في ثلاثيّة صادرة عن «دار النهار» (٩٤ ــــ ٩٧). وها هو صاحب «حكاية فيصل» المشغول في التأريخ الفكري والاجتماعي، يأخذنا إلى المدينة الإسلاميّة مجدداً: إلى القاهرة، وما شهدته من التحولات الفكريّة والروحيّة والتقنيّة في القرن الثامن عشر. كتاب يقرأ بمتعة، ويحمل كماً ثميناً من المعرفة النقديّة التي تتوجّه أيضاً إلى غير المتخصصين، في زمن باتت فيه الثقافة الشاملة والمركّبة شرطاً أساسيّاً لوعي العصر ومجاراته.