خليل صويلح لا تكمن قيمة روايات الكاتب حنّا مينه (1924) في نزعتها التبشيرية، أو في مرجعيّاتها الاجتماعية، بل في طريقة تقديم هذه العوالم في إطار من التشويق والإمتاع، وهز ركود الحياة والأشياء من حوله، في ثنائيات متجاورة ومتصارعة في آن واحد: الرجل والمرأة، الحب والكراهية، الشجاعة والخوف، الحرية والاستبداد. يوضح نذير جعفر في كتابه الجديد «حنّا مينه حارس الشقاء والأمل» (سلسلة «أعلام الأدب السوري» ـــــ منشورات «دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008») أنّ أعمال حنا مينه التي تربو على حوالى ثلاثين رواية، لا تتوقّف عند رصد الظواهر والشخصيات رصداً تقريرياً من خارجها. بل إنّ هذه الأعمال «تُعنى باستبطان دواخلها، وتصوير ما يعتمل فيها من صراع عبر علاقتها الحميمة أو العدائية بالمكان والزمان الذي تتحرك فيه».
كان حنّا مينه في قلب العاصفة، على الدوام. ولعل سيرته الحياتية التي اتسمت بالقسوة والصعاب والمكابدات أضفت على أعماله بريقاً خاصاً، نجد تجلياتها في معظم أعماله الروائية. وهو ما جعل بعض النقاد يصفون صاحب «الياطر» بأنّه بلزاك الرواية السورية تارة، وزوربا الروائيين العرب تارة أخرى... لكنّ لقب روائي البحر ربما كان الأقرب إليه: فالبحر في استعارته وكنايته هو رمز الحياة كلها وهو «الوجه الأغنى والأكثر صخباً لدينامية الحياة والموت»... وعنه، قال حنّا مينه مرةً: «البحر كان دائماً مصدر إلهامي، حتى إن معظم أعمالي مبللة بمياه موجه الصاخب».
يشتمل الكتاب على شهادات في تجربة صاحب «الشراع والعاصفة»، وحوارات أجريت معه سابقاً في صحف ومجلات عربية ومحلية ومختارات من نصوصه وأعماله. يقول الناقد الفلسطيني فيصل دراج : «من السهل أن ينتقد بعض الروائيين حنا مينه ومن الصعب عليهم أن يحتلوا مكانه. فقد اخترق المجتهد الدؤوب، أجيالاً روائية سورية، وبقي صاحب «الطروسي» في موقعه».
أما الناقدة والكاتبة اللبنانية يمنى العيد فترى أنّ حنا مينه أبدع ما يمكن تسميته خطاب السيرة الذاتية الروائية، وهو «خطاب روائي تلوّن بطابع محلي تجذر به المحكي في واقعه الخاص». وهذا ما يؤكده الناقد والكاتب المصري صلاح فضل: «كسر بعنفوانه قوانين الزيف والنفاق في المجتمع ليقدم أفدح سيرة ذاتية عرفتها الرواية العربية، وأحفلها بالصدق الجارح والثراء الفكري في التعبير عن الفقر المادي». ويعلن مينة في أحد حوارته: «أنا كاتب واقعي رومانتيكي»، قبل أن يضيف «إنني واقعي على سن الرمح وفي واقعيتي تجد الرمز والأسطورة».
ينظر النقد غالباً إلى روايات حنّا مينه، على أنّها صورة عن الواقعية الاشتراكية في الأدب والتبشير بعالم أفضل. لكنّ مساره الغني، يتناقض مع هذا التعميم الاختزالي. تبقى أعمال هذا الروائي الرائد في منطقة نقدية متحوّلة، تبعاً للخط البياني المتعرج لإبداعاته... فيما يتفق النقاد على أنّ صاحب «نهاية رجل شجاع» كتب ملحمة الشعب السوري في صراعه مع المستعمر والإقطاع والبورجوازية الطفيلية، من خلال أعمال «استمدت بريقها من صدقها الفني ومن نبل الرسالة التي تحملها» كما يكتب نذير جعفر... هذا الصدق الذي «تجسّد في شخصيات لها وجودها الموضوعي والمتخيّل في أحداث ووقائع امتدت من عشرينيات القرن المنصرم إلى اليوم».