ياسين عدنانأصدر خورخي أوروتيا ديوانه الأول «دمعات مالحة» (1966) وهو في العشرين، ثم صمتَ تسع سنوات، هي السنوات الأخيرة من عمر الدكتاتورية الفرنكوية. ولن يعود إلى الشعر إلا بعد دخول إسبانيا الديموقراطية. هنا سيهجُم على القصيدة بشراسة، مفكراً تصطخب داخله الانشغالات المعرفية والتأملات الفكرية: «الدرجة الشرسة للكتابة» (1977) و«عن الدولة والتنمية ومواصلة الحماسة» (1979). وطبعاً وحدها قصيدة النثر يمكنها أن تُسعف شاعراً مفكّراً مثل أوروتيا ليذهب بقصيدته نحو الحدود القصوى للسرد والتأمل.هذا التأمل الذاتي الذي استغرقه في السبعينيات والثمانينيات، سيتحول منذ التسعينيات إلى تأمل للعالم والأشياء. وهو ما أثار الشاعر والمترجم المغربي خالد الريسوني الذي عرّب ديوانيه «ابتداع اللغز» (1991) و«تلفُّظ مجهول» (2001) في ترجمة أنيقة صدرت عن منشورات «ليتوغراف» في طنجة.
في «ابتداع اللغز»، نجد أنفسنا أمام شاعر يحدِّث المرآة فيرى العطر، لأنه لا يؤمن بحدود فاصلة بين الأشياء والأحاسيس. نقرأ مثلاً: هذا هو البحرُ، والذي يتأملهُ/ يعرف أن ما يهمُّ ليس هو البحر/ بل طعْمُ الحياةِ الذي يجري بجانبه». أما في «تلفظ مجهول»، فنكتشف أن أوروتيا مختلف عنّا قليلاً، ليس فقط بسبب خياناته المتكررة لقصيدة النثر التي يغادرها باتجاه الأشكال العروضية التقليدية من سونيتات وخماسيات مُسَجَّعة، لكن لأنّه لا يقرأ شعره في الحانات، بل يفضّل الفضاءات المفتوحة. نقرأ: «يلهو الصوتُ وتلهو العبارةُ/ تلهو الإيماءةُ والكفُّ، تلهو الريحُ/ التي ستُموِّجُ الوجوه، وتُشَققُ/ التجاعيدَ حين تنْفُضُ شجرَةَ الزيتون./ يقرأُ الشاعرُ الآنَ/ فتهْتزُّ/ مشاعرُ الأرضِ القديمةِ التي تخلقُ النَّسيم».
في أواخر الأربعينيات، كان الشاعر الإسباني الكبير ليوبولدو لويس يسهم في إصدار مجلة «المعتمد» من مدينة العرائش ثم من تطوان. وهي المجلة التي يراها محمد بنيس المهد الأول لحركة التحديث الشعري في المغرب. وها هو ابنه خورخي أوروتيا يتشبث بصداقة المغرب. إذ يعيش موزّعاً بين جامعة محمد الخامس في الرباط وجامعة نورث ويسترن في الولايات المتحدة وجامعة كارلوس الثالث في مدريد. والمؤكد أنّ ترجمة خالد الريسوني ديوانيه ستضمن المزيد من التورط في المغرب واللغة العربية لهذا الشاعر القشتالي الذي لا يكفُّ عن تقصّي المعرفة الشعرية على جبهات الزمن والحب والكتابة.