في منتصف شهر تموز (يوليو) من العام الماضي، أي قبل عام تقريباً، لبّى محمود درويش دعوة «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة» ومجلة «مشارف»، لإحياء أمسية شعريّة في حيفا. وأثارت الزيارة نقاشاً بين المثقفين الفلسطينيين والعرب، لكنّ الشاعر الذي ذكّر بأنّه عائد إلى مدينته، تعالى عن الضجيج المثار حول الزيارة، وقرأ شعره أمام جمهور كبير من أهل فلسطين التاريخيّة. وتلك الزيارة كانت تشكّل عودته الأولى إلى حيفا منذ أبعد عنها قبل 35 عاماً. يومها هرب الشاعر من الاقامة الجبريّة، واختار الانتقال إلى المنفى بادءاً رحلة طويلة لن تنتهي إلا العام 1996 مع سمح له بالعودة إلى الجزء الصغير من فلسطين الذي بات يمثّل السلطة الوطنيّة. والمعروف أن عائلة الشاعر تقيم في فلسطين الـ 48، بعد أن عدّ أفرادها من «الغائبين الحاضرين»، بسبب خروجهم لعام واحد بعد النكبة. ومنذ ذلك التاريخ، دخل محمود درويش أكثر من مرّة إلى الأراضي المحتلّة قبل العام ١٩٦٧: مرّة مؤبناً إميل حبيبي، في ٣ أيّار (مايو) ١٩٩٦،... وكان محمود على موعد مع صديقه الباقي في حيفا، من أجل المشاركة في فيلم سينمائي عن صاحب «المتشائل»... لكن المرض العضال أسكت حبيبي قبل وصوله، فما كان منه إلا أن شارك في تأبينه.
ومرّة أخرى في كانون الثاني (يناير) 1999، سُمح للشاعر بزيارة أمه وعائلته. وفي نهاية التسعينيات، عاد درويش إلى قرية كفر ياسيف، احتفالاً بمئة عام على تأسيس مدرسة «يني يني». كما جاء إلى الناصرة في 28 أيلول (سبتمبر) 2000، وأحيا أمسية شعرية بدعوة من مؤسسة توفيق زياد.