قبل جراحة «القلب المفتوح» الأخيرة التي خضع لها في هيوستن،كان الشاعر قد أفلت من تجربتين صعبتين في هذا المجال. أصيب درويش بنوبة قلبية سنة 1984، وتعرّض لموت سريري: «توقف قلبي لدقيقتين، ولم يعد إلى العمل إلا بفعل الصدمة الكهربائية... رأيت نفسي أسبح فوق غيوم بيضاء، تذكرت طفولتي كلها، استسلمت للموت، ولم أشعر بالألم إلا عندما عدت إلى الحياة». المرة الثانية سنة 1998، كانت مختلفة: «كنت في بلجيكا، أعطوني شهادة دكتوراه فخرية من جامعة هناك، وعرّجت على باريس لإجراء فحوص طبية. قرر الطبيب إجراء جراحة عاجلة، فتحمست. رغم أن طبيب القلب اعترض على إجرائها لأن قلبي لا يتحمل، وبعد نقاش اتفق الطبيبان على خوض المغامرة. فدخلت غرفة التخدير وكانت آخر كلمة سمعتها من الطبيب «نلتقي» وبعدها نمت (...). لا أعرف ماذا جرى لكن بعد الصحو قيل لي إنني مررت بخطر الموت الحتمي، بل حتى جرى البحث في ترتيب جنازة. كنت غائباً، هذا لم يكن عذابي، كان عذاب أصدقائي».وتحت تأثير البنج راح الشاعر يهلوس يومذاك، حتّى خاف عليه أصدقاؤه من الجنون: «كنت مقتنعا بأنني لست في مستشفى، بل في قبو سجن، وبأن سجانيّ يعذبونني في كل يوم (...) وفي لحظة أخرى، رأيت نفسي جالساً مع رينيه شار، ورأيت المتنبي والمعري». تلك التجربة أوحت له بالـ «جداريّة» (٢٠٠٠)، ثم استعادها أخيراً مع كتابه «في حضرة الغياب».
وفي أحد حواراته الأخيرة، قال درويش الذي توقف عن التدخين، وخفّف من الشرب والسفر: «أنا لا أخشى الموت الآن. اكتشفت أمراً أصعب من الموت: فكرة الخلود، أن تكون خالداً هو العذاب الحقيقي. ليست لدي مطالب شخصية من الحياة لأنني أعيش على زمان مستعار... ليست لدي أحلام كبيرة. إنني مكرّس لكتابة ما عليّ كتابته قبل أن أذهب إلى نهايتي».