حيفا ــــ فراس خطيب الخبر تسلّل مساء السبت. كان المدخل الشرقي لقرية “الجديدة” (بالقرب من عكا) صامتاً ومظلماً تكسره أضواء وشموع برتقالية، انبثقت من إحدى الزوايا المؤدية إلى بيت عائلة الشاعر محمود درويش: بضعة شبان يافعين، أحدهم يحمل العلم الفلسطيني، يحيطون بصورة الشاعر الراحل التي تلفّها كوفية فلسطينية. كانوا يستعدّون للذهاب إلى قرية البروة، مسقط رأس درويش. في تلك الأثناء، كانت الشموع تتناثر على جانبي الطريق المؤدية إلى بيته، كلما تأكّد خبر الرحيل أكثر. ثم جاء الخبر اليقين من مستشفى Memorial Hermann في هيوستن الأميركية: أعلن الطبيب عبد العزيز الشيباني أنّ “قراراً اتُخذ بالتشاور بين الأطباء وأسرة الشاعر بنزع أجهزة الإنعاش عنه، بعدما تبيّن استحالة عودة أعضائه الحيوية إلى طبيعتها”. هكذا، رحل درويش جرّاء مضاعفات نتجت من عملية جراحية في القلب. وسيصل جثمانه اليوم إلى عمان حيث ستجري مراسم رسمية لاستقباله، يشارك فيها مسؤولون أردنيون وفلسطينيون، ثم سيُنقل إلى رام الله حيث يوارى في الثرى ــــ موقتاً ــــ غداً الثلاثاء في المركز الثقافي الجديد. وكان وفد عن منظمة التحرير الفلسطينية قد زار منزل عائلة الشاعر في قرية الجديدة، برئاسة الناطق الرسمي باسم حركة “فتح” أحمد عبد الرحمن. وقدّم الوفد العزاء برحيل الشاعر، واستأذن العائلة رسمياً بأن يدفن الشاعر في قاعة قصر الثقافة الجديد في مدينة رام الله ليكون قريباً من ضريح الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. ووافقت العائلة على طلب الوفد، لكنّ العائلة ستبقى تنتظر أن يعود جثمان محمود إلى الجليل، كما انتظرت عودة الشاعر في حياته.
ولد محمود درويش في قرية البروة، وهجّر منها إلى لبنان ثم عاد إلى فلسطين بعد فترة قصيرة وكان في السابعة. انتقل إلى قرية “الجديدة”، ودرس الثانوية في كفر ياسيف. مطلع الستينيات، اختار أن يكون في حيفا، تلك المدينة التي اعتبرها «أمه بالتبني». ويقول صديقه منذ أيام الدراسة، الكاتب محمد علي طه، إنّ حياة درويش “انقسمت في حيفا إلى ثلاثة أقسام: السجن والإقامة الجبرية والكتابة، وغادرها إلى الاتحاد السوفياتي، وبعدها إلى القاهرة”.
عمل محرراً في صحيفة “الاتحاد” الحيفاوية، لسان حال الحزب الشيوعي، ثم مجلة “الجديد”. سكن في حي عباس العربي. ومن أصدقائه: توفيق فياض وسمي القاسم وسالم جبران وغيرهم. ويقول محمد علي طه: “كان يحبّ هذه المدينة. وأذكر أنّه بعد أمسيته الأخيرة في حيفا، جلسنا في بيت أحد الأصدقاء. كان لا يزال يتحدث عنها كأنَّها عشيقة له”.