أحببناه شاعراً... وكرهنا نجوميته
منهم مَن لا يزال متأثّراً به، ومنهم مَن تخلّص من سحره بعد «سقوط الإيديولوجيات»... لكن شبّان قصيدة النثر في مصر يجمعون على أنّ الشاعر الفلسطيني الراحل أيقونة لزمن ثقافي له جمهور ومعجبون وذاكرة

القاهرة ـ محمد شعير
قصيدة محمود درويش تعصى على التقليد. ربما هذا ما جعل السؤال مشروعاً: هل استطاع صاحب “جدارية” أن ينشئ مدرسة شعرية خاصّة، لها تلاميذها وأتباعها في الأجيال اللاحقة؟
الناقد والشاعر محمد بدوي يرى أنّ “طبيعة شعر درويش لا تصنع مدرسة بالمعنى الحقيقي، لأنّه شاعر حركة تحرر وطني في نهايات حركة التحرر الوطني العالمية، وبالتالي ينتج شعر هوية تدافع عن نفسها ضد الاقتلاع”. ويرى أنّ تجربة درويش أحبّها المثقفون اليساريون تعاطفاً مع القضية، وإعجاباً بقدرات الشاعر الغنائية، لكنها لا يمكن أن تصبح “إشكالية” لشعراء قصيدة النثر في مصر ولبنان والعراق. هي بالنسبة إليهم إشكالية تجاوزتها مجتمعاتهم حيث يتراجع اليقين الدرويشي والجمال الغنائي لمصلحة تفاصيل الواقع.
لكن ألا يمكن المرحلة الأخيرة في قصيدة درويش أن تغيّر هذه الرؤية؟ يجيب: “المرحلة الأخيرة جاءت بعد إدراك درويش أنّ صياغته لهوية الشعب الفلسطيني بوصفه محارباً عن حقوقه انتهت. لكن مهما كان جهده في التحوّل، يظل محكوماً بتجربته الطويلة السابقة”.
ويرى علاء خالد أنّ ديواني “محاولة رقم 7” و“أعراس” من أهم الدواوين التي قرأها في حياته. “تجد فيهما هذا النوع من الموسيقى المفكِّرة والمتأملة، تجد في التكرار للجمل والأفكار والكلمات حرفية جمالية يتقنها درويش، وتفتح مسالك توسع مجال الوعي في القصيدة. لم يعبر محمود درويش من خلال قضايا الحداثة وأزمتها في عالمنا العربي. لكنّه شكّل أحد المجددين في الشعر العربي الحديث، فكره وشعريته يسيران جنباً إلى جنب”. ويضيف: “تعلمت من درويش، لكن لا أعرف كيف. يمتلك كيمياء سحرية لصياغاته وصكوكه الشعرية، تخصّه وحده. إنّه ظاهرة شعرية من ناحية انبثاقها وتأثيرها وانتشارها. فهو مع نزار قباني، صار أيقونة لزمن شعري له جمهور ومعجبون وذاكرة”.
أما إبراهيم داوود، فيرى أنّ جيله الشعري في مصر، جيل الثمانينيات، التفت منذ بداياته إلى تجربة درويش، وتأثر بها... لكن “سرعان ما تخلّصنا من تأثيره بعد سقوط الإيديولوجيات في الشعر”. داوود يرى أنّ درويش أحد أقاربه في الشعر وليس مِن أساتذته. يوضح: “قصيدته أقرب إليّ لأنها تتعامل مع جانب طفولي في شخصيتي. بسبب حيله المدهشة الطفولية هو أقرب إلى القلب”.
يختلف الأمر بالنسبة إلى فتحي عبد السميع، إذ يرى درويش وأمل دنقل البطلين اللذين قاداه إلى “الشعر المختلف”: “أحببت درويش وأمل، حبّاً لم ينقطع مع التقدّم في الخطوات والمراجعة، وإن خفتَ البريق عن قسم كبير من شعر درويش مع تقدم التركيز على فنيات وجماليات الشعر”.
نجومية درويش أثّرت حسب عبد السميع في تجربته الشعرية: “قيّدتها في نطاق معيّن. لم يكن فاتناً لي كشاعر، بل كان مناقضاً لما بدأ يتجمّع لدي من قناعات... منها مثلاً فكرة تصفيق الجمهور التي بدت لي دليلاً على فشل القصيدة أكثر من كونها دليلاً على نجاحها، دليلاً على مرورها السطحي في الوجدان أكثر من كونها دليلاً على اختراق الأعماق، دليلاً على براعة الخطيب ومهارته في تطويع الشعر، فيما أرى أن الشعر الحقيقي يشبه البذرة التي تحتاج إلى صمت أكثر مما تحتاج إلى تصفيق”.
أما الشاعر السبعيني أحمد طه فيرى أنّ درويش لا يمكن أن يكون “ناظر مدرسة”، لأنّه ينتمي إلى مدرسة تكوّنت منذ زمن، من أبرز نجومها بدر شاكر السيّاب، ومن أبرز خصائصها الولع بالموسيقى، واستخراج أقصى إمكانات التفعيلة في بناء الجملة الشعرية.