حسين بن حمزة شكراً، لأنك ملأت حياتنا بذلك النوع من القصائد التي تستطيع مواصلة خلودها في غياب جسد صاحبها. شكراً، لأننا أصغينا إلى قصيدتك وأصغتْ هي إلينا. كبرنا معها وتربَّت معنا. دندنّا بها في حضرة نساء عابرات كي يمكثْنَ في قلوبنا قليلاً. علت نبرتها مع حماستنا وقبضاتنا المرفوعة. ثم تخفّفت من حمولتها النضالية المباشرة حين طلبنا شعراً صافياً. شكراً، لأنك أغويتنا على المنابر بقصائدك الملحمية الطويلة. ثم أغويتنا حين أدرتَ ظهرك كي تكتب قصيدة صغيرة وهشّة، خائفاً عليها من هدير حشودنا وتصفيقنا المدوّي. سلكتَ بنا طرقاً وعرة ومختلفة. جرجرتنا إلى مناطق شعرية أكثر نأياً مما يُطلب من شاعر عاش دوماً تحت ضغط قضية كبرى.
في شعرك، تحولت فلسطين إلى فنّ شعري كامل. لم تمنعك رمزيتك كناطق شعري باسمها، ولا كونك مدبِّج إعلان استقلالها، أن تكون شاعراً على طريقتك الفريدة. كنتَ تُكثر من ذكر الغياب في قصائدك الأخيرة، ولكنك تفعل ذلك بلغة نضرة وفتية تُجيد اللعب مع الموت وتتغلّب عليه. كتبت نصاً كاملاً “في حضرة الغياب”، فلم ننتبه إلى الوصية الشخصية التي دفنْتَها في سطوره. بل إنك كتبتَ مرةً: “قل للغياب: نقصتني/ وأنا حضرتُ لأكملك”. أخذنا الأمر على محمل الشعر فقط. لم نصدق أنك لم تعد تهاب الموت هذا الحد، وأنّ قَدَمَاً لك قد باتت في الجهة الأخرى من العالم. حين رحل صديقك معين بسيسو يا محمود، كتبْتَ في “الكرمل”: “معين بسيسو لا يجلس على مقعد الغياب”. الآن. ونحن غارقون في غيابك. كيف تطلبُ منا أن نختصر الوداع، ونجلسكِ على المقعد نفسه.