أحمد الزعتريلم تكن لي قضية من قبل. كتبتُ عن الصبيَّة التي لا أعثرُ عليها، والتي، إن فعلتُ، أختبئ منها. كتبتُ عن الموت، الوحدة، ورجال الكهف. وبمواجهة كل هذا، كنتَ توفِّر لي الفظاظة الجمالية والمثالية، فوجدتُ أن عليّ إهمال القضايا الكبيرة باتجاه توثيق يومياتي وهلوساتي، وتخيّلت لو أنني راسلتك مثلما فعل شاعر ناشئ مع ريلكه لنصحتني بأن أفعل الأمر نفسه. هناك فرق بين مروجي القضية، ورموزها. فيروز، مثلاً، لم تكن بحاجة إلى تعبوية شعبية و«زيارات ميدانية تضامنية» لتصبح رمزاً للبنان، فلو كانت فيروز أردنية، ربما، لخلقت لدي شعوراً عالياً بالارتباط: أنا الذي لا أشعر بالانتماء إلى مكان.
وأنت، هل أتحت لي الانتماء إلى قضية؟ كنتُ أشعر، بقراءتك، أنني أنتمي إلى «ريتا»، إلى «العصافير في الجليل»، إلى رائحة التبغ، إلى شكل فلسطين في قصائدك. كنتُ أشعر بأنني مختلف، أنني تحرّرتُ من سطوة اليومي المكرّر والتافه، أنني صرت أكثر وعياً، لكن ذلك لم يجعلني أنتمي إلى قضية. كنتَ رمزاً، نعم، لكنك كنتَ رمزاً لرمز. رمزاً لقضيةٍ مفروغ منها. شيء يشبه رؤية علم بلدك يُحمل في افتتاح الأولمبياد، يشعرك بالقشعريرة، وتعرف أنك ربما زاد انتماؤك درجة للحظة، لكنك تعرف أنّ كل الشعوب تشعر كذلك. لكن الفرق، أن الرمز هنا رمزٌ لفلسطين: الفردوس العربي المفقود.
أنا سعيد لأنني لم أرك في حياتي تبتسم، لا أريد آباءً شعريين أو ماديين بعد الآن.. وأهلاً بالعبثية.