هذا المساء على قناتها الثانية خضر سلامة
اختارت قناة «بي بي سي 2» مساء كل أربعاء من هذا الشهر، لعرض حلقات الدراما الوثائقية «بيت صدام» (أو «بين النهرين»). وبعدما قدّمت الحلقتين الأولى والثانية، تعرض الليلة الحلقة الثالثة، والأسبوع المقبل الحلقة الأخيرة. منذ البداية، يبدو العمل محاكاةً لعرض مافيوي، أشبه بمسلسل «عائلة سوبرانو» (The Sopranos). يظهر ذلك حتى في الدعاية التي سبقت العرض. إذ يطلّ الأبطال بمشهد مماثل لذلك الذي استخدم في دعاية مسلسل المافيا الشهير، إنما يرافق إطلالتهم هذه المرة توزيع عصري لموسيقى فيلم «العرّاب» (The Godfather)، مع عبارة: «سقوط سلالة حاكمة... «بيت صدام» قريباً على BBC».
المسلسل هو إنتاج بريطاني ـــ أميركي مشترك، بين «بي بي سي» و«أش بي أو»، مستوحى من رواية إدغار آلان بو الشهيرة «سقوط بيت أوشر». صُوّر في تونس حيث استُعين بأماكنها كخلفية لأحداث أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات التي يشرّحها العمل: من صعود نجم صدام حسين ووصوله إلى السلطة والقوة المطلقة لشخصه، ومن البروباغاندا الإعلامية البعثية، إلى لافتات البيعة والعروض التلفزيونية التحريضية للحرب ضد «أعداء الثورة».
هكذا، يبدأ العمل بمشهد من الفترة الأخيرة لحكم الديكتاتور الراحل، مع تهديد جورج بوش لنظامه بالحل العسكري. ثم يعود بنا المخرج في اللقطة التالية مباشرةً إلى عام 1979، مصوّراً «رفاق» صدام المنقلبين على البكر أقرب إلى رجال زعيم مافيا، بنظراتهم وطريقة حديثهم وولائهم المطلق لـ«عراب» الانقلاب والرئيس ـــ الملك الجديد. وتتوالى الأحداث وصولاً إلى «مؤتمر حزب البعث» حيث يقف صدام حسين، معدداً أسماء المتَّهمين بالمشاركة «في مؤامرة إيرانية» ليخرجوا واحداً تلو الآخر من القاعة، ويُعدموا خارجاً. كما يمرّ الشريط على محاولة اغتياله في الدجيل حيث ينجو، ليعود مهاجماً «عملاء الخميني»، متعهداً بالقضاء عليهم. كما يضيء الفيلم على التصفيات التي شنها صدام ضد معارضيه داخل حزبه وخارجه... وحتى داخل عائلته.
أخرج المسلسل أليكس هولمز وجيم هانلون. وهما استعانا بمقربين سابقين من الرئيس الراحل لفهم شخصيته، وكتابة السيناريو. ويشير هولمز إلى أنه بعث أسئلة إلى صدام حسين نفسه قبيل إعدامه عبر محاميه، أثناء فترة اعتقاله. ولم يثنه عدم تجاوب صدام معه، بل لجأ وشريكه إلى شخصيات أساسية في النظام المخلوع، كطارق عزيز مثلاً.
وفيما انتقد مراقبون ذلك التشابه القوي بين «بيت صدام» ومسلسلات العصابات الكلاسيكية، دافع هولمز عن رؤيته بالقول إنه «تشابه عفوي وواقعي تاريخي»، شارحاً: «حينما اطّلعت على قصة صدام وجدت عناصر مشابهة في مسرحيات شكسبير التاريخية أو في أفلام العصابات».
وعدا عن التماهي المبالغ فيه بين «بيت صدام» وفيلم «العرّاب»، من ناحية أداء الشخصيات «المافيوية البعثية»، ومن ناحية الإضاءة المعتمدة في مكاتب الاجتماعات، وفي العلاقات المنسوجة بين الشخصيات، وفي سطوة والدة الشخصية الرئيسية على ابنها (أم صدام V/S أم كورليوني)... يلحظ المشاهد أيضاً تغاضي المسلسل عن أمور تاريخية ومفصلية في الفترة التي يحاول معالجتها. هكذا يسهو عن الإشارة إلى عامل حاسم في معركة صدام حسين ضدّ التدخل الإيراني في العراق، ألا وهو علاقته بالأنظمة العربية وبالدول الغربية، والاجتماعات المتكررة بين صدام والقادة العرب والمسؤولين الأميركيين والأوروبيين. أضف إلى ذلك أن العمل يحوي في طاقمه أربعة ممثلين إسرائيليين يتقمصون شخصيات رئيسية، بما فيها شخصية صدام حسين التي آلت إلى الممثل الإسرائيلي من أصل عراقي، يغال ناؤور. وهذا الأخير يرى أداءه شخصية حسين نجاحاً باهراً في مسيرته، قائلاً: «قرأت كتباً عن ستالين وموسوليني اللذين حظيا بإعجاب صدام وحاول تقليدهما. ويبدو أن حياة ستالين حملت تأثيراً كبيراً عليه، وخصوصاً في ما يتعلق بأهدافه وقيادته وإيديولوجيته وشكله الخارجي». وكان المصري عمرو واكد (يقدم دور حسين كامل المجيد) قد اتهم بالتطبيع بسبب مشاركته ناؤور بطولة الوثائقي، ثم برّأته نقابة الممثلين من التهمة. كما يشارك في العمل الأميركية من أصل إيراني شهره آغداشلو في دور ساجدة زوجة صدام، والفرنسي فيليب أرديتي (عدي صدام حسين)، والفلسطيني مكرم خوري (طارق عزيز)...المسلسل إذاً هو تجربة جريئة تحسب لـ«بي بي سي». وإذا كان يراوح بين دراما الحركة والقالب الوثائقي التاريخي، فهو يكاد يقع في أفخاخ كثيرة: من البطل الإسرائيلي الذي يفتقر أداؤه إلى الروح والذكاء، كما ذكرت صحيفة «هيرالد»، وصولاً إلى الثقوب التاريخية المفصلية وإهمال التفاصيل المؤثرة، و«شخصنة» المرحلة العراقية المنصرمة.

23:00 على BBC2