بيار أبي صعب كأنّه الأمس. هدير الطائرات، والأعداد التجريبيّة، والطموحات الكبيرة، أدخلت الجميع في دوّامة سحريّة. كل شيء يبدو أشبه برؤيا، الوجوه والأصوات والكلمات والمحاولات الأولى، والخيبات الأولى أيضاً. رائحة الورق، ولون الجدران، وشاشات الكمبيوتر، ورهبة قاعة الاجتماعات، والكنبة التي في مكتب جوزف، كان يرتمي عليها بجسده الضخم، متّكئاً إلى أكداس الوثائق التي ستذوب في المصهر، لدى كتابة الافتتاحيّة، بعد قليل. ترى كم مرّ من الوقت؟ أشياء كثيرة تغيّرت، إلا تلك النشوة السريّة، ما زالت تعترينا كل صباح. إصرار غريب على اختراع فضاءات غير متوقّعة للحريّة. وتلك الجسارة التي تجعل التجاوز لعبة بريئة، والاختلاف متعة قصوى... واحترام القارئ قاعدة ذهبيّة، كادت تفوت أهل المهنة. حتى شكل الجريدة تغيّر. والشاب الذي وطأت قدماه هذا الممرّ الطويل في مبنى الكونكورد قبل سنتين، بات عجوزاً متصابياً.
اليوم تطفئ «الأخبار» شمعتها الثانية. المشكلة أنّك لا تستطيع أن تصنع صحافة الستينيات في زمن اليوتيوب والفايسبوك والـBlackburry Phones. المشكلة أنك مصرّ على منبر للجميع، خارج الانقسامات الضيّقة، وأنك تفهم الصحافة خدمة معرفيّة وإعلاميّة أيضاً. أين المشكلة؟ في تلك الهوّة بين الحريّة والضرورة: عليك ردمها كلّ مرّة من جديد. هل كانت المغامرة «محسوبة» حقّاً؟ الأخطاء الكثيرة، أوهام البدايات، ونميمة تنبت كالأعشاب السامة في الجوار. حاجة كيانيّة إلى التخلّص من الأمراض المزمنة، والرقابات على أنواعها. تلك التناقضات الجميلة التي تجعل الخطاب مركّباً... والجمل الاستثنائيّة التي لا يعرف المرء قيمتها إلا مع مرور الوقت.