حسين بن حمزةفي روايتها الثانية «إني أحدثك لترى» (دار ميريت ـــــ القاهرة)، تكتب منى برنس رواية حب من أولها إلى آخرها. لكن المسألة لا تتعلق بموضوع الرواية فقط. الرواية مكتوبة بطريقة تجعل السرد قريباً من الكلام والحوارات التي تُتبادل في الحياة اليومية العادية. السرد هنا هو نثر هذه الحياة في حدوده القصوى. لا نجد فيه تزويقاً لغوياً أو أفكاراً كبيرة أو ادعاءات أسلوبية. ليس متوقّعاً أن تثير الرواية نقاشاً بشأن خفة السرد أو استخدام العامية حيثما دعت الحاجة اليومية إليها. إنّها مكتوبة وفق متعة شخصية، حتى إن بعض القرّاء قد يقرأونها كيوميات ومذكرات وُضعت في إطار روائي. وهو ــــ على أي حال ــــ إطار أكثر هشاشة مما هو متوافر عادةً في فنّ الرواية.
لا يهم هذه الروائية المصرية أن تقلّد أسلوباً شائعاً، أو تسترشد بتقنيات سردية معروفة. المهم أن تحكي الحكاية كما حدثت في الواقع أو كما تخيّلتها على الأقل.
في البداية، تحاول المؤلفة أن تتقاسم مع القارئ إحساسها بمشكلة «أنّ الحب موضوع غير كافٍ لكتابة رواية». تفكر في إضافة شيء «من السياسة، علم الاجتماع، علم النفس، والإيروتيكا... فكلّها عناصر مشوقة، ووصفة سبق أن جُرِّبت وأتت مفعولها من انتشار وترجمة». ثم تقرر أن تنجز الرواية بحسب مزاجها الشخصي ضاربة عرض الحائط بكل ما لا خبرة لها فيه: رواية تتمحور حول عين المصرية وعلاقتها بعلي المغاربي، المنتدب من بلده للعمل في القاهرة. عين باحثة اجتماعية متفرّغة. هي تحبّه ولا تريد أن تتزوجه. هو يحبّها ولكنه مصغٍ ــــ في الوقت نفسه ــــ لتقليديته ولا يستطيع احتمال حريتها. في النهاية، يتزوّج مواطنته سلمى، ولا يجد البهجة التي تذوّقها مع عين.
كل هذا عادي. تعترف البطلة بذلك. ما هو غير عادي يتمثّل في إصرارها على تأريخ هذا الحب. من هذا الإصرار، تتوالد لغة الرواية. أما الأحداث، فلا تتجاوز حدود لقاءات عين مع علي في القاهرة، ورحلاتها المتعددة كباحثة، مع بعثات أجنبية، إلى بعض المواقع الأثرية والسياحية. الرحلات تتزامن مع أزمات علاقتها بعلي. تحاول عين أن «تفشّ» خلقها، فتمارس جنساً عابراً مع رجال يرافقونها في الرحلات. يظل هذا الجنس موقّتاً إلى أن تلتقي الشاب الكورسيكي أبوللو، البوهيمي المهووس بالمغامرة والتشرّد. تعيش تجربة مختلفة معه. تحس أنّ حبها نفسه مهدّد في هذه العلاقة. المشكلة أنّ العلاقة محكومة بشروط خاصة. أبوللو لديه ميول خاصة جداً. يمارس معها الجنس من الخلف، ويطلب منها أن تفعل به الشيء نفسه بواسطة عضو بلاستيكي تربطه على حوضها. ثم باستخدام يدها. ولعلّها المرة الأولى التي يحدث فيها جنس كهذا في رواية عربية. تنغمس عين أياماً في هذه العلاقة المعقدة. مزاجها لا يرفض ما يحدث. لكن طيف علي لا يفارقها. أبوللو يتقدّم أكثر في العلاقة. يطلب يدها للزواج. ثم تتطور الأمور. تنقلب فيهما السيارة في لحظة طيش. أبوللو يموت. تعود عين إلى تفحّص تاريخ علاقتها مع علي الذي يعود إلى بلده. تقرر عين أن تزوره ثم تلغي الرحلة. تنتهي الرواية. أما العلاقة، فتظل مفتوحة على احتمال أن يخرج علي من قفص ازدواجيته. لكن ليس كي تتزوجه عين. إنها فقط «تريده أن يكون حراً لنفسه أولاً ولها ثانياً».