نوال العلي«حالة عامة» هو عنوان قصيدة من الديوان الأوّل للشاعرة السورية سعاد جروس «رمّان» (دار الريس). عرفنا جروس صحافية جيدة، لكنها هنا في قصائدها تبدو كأنّها تكتب ضمن الحالة العامة لشعر الشباب الآن، وخصوصاً النساء الشاعرات. من المؤسف الحديث عن الشاعرات بوصفهن نساءً، لكنها الحالة العامة التي يفرضها شعر المرأة نفسه، التي تعيش معظم مكوّناته الشعرية في المقهى، بحضور الثرثرة التي نعرفها جميعاً، كأنّنا لم نسأم من هذه الصورة النمطية بعد. «معاً في المقهى/ ساعات طويلة يثرثران/ كلماتهم الجميلة/ تزهر على طاولات الرخام نظراتهم الحنونة/تعرش على جدران الدخان/ حين غادرا كل في طريقه/ كان سيل الزهور قد أغرق المدينة».
تستحضر الشاعرة طقوس الكتابة كاملةً: السيجارة، الصعلكة، المقهى... لقد أصبحت هذه الكليشيهات من الضروريات «اليوم مارستْ طقوس الكتابة/ كأي صعلوك مستجد على المهنة/ جلست في المقهى/ أشعلت سيجارة/ نفثت الدخان في الأرجاء/ مزمزتْ مرارة البن/ ركزت النظر/ عدلت جلستها أكثر من مرّة... راحت تكتب قصيدة، مذهل احتجاج الكلمات على سوء التعبير».
تكتب شاعرتنا وهي تفكر طيلة الوقت في انطباع الآخر عن عاطفتها. ليس ثمة ظهور حقيقي لسعاد إلا في معيّة الآخر، وهي في ذلك لا تختلف عن كثيرات يكتبن على هذه الشاكلة، كتابة الذات كما هي متضمنة لدى الآخر: «لأنك أنت/ لأنك غيرهم/ لأنك أكثر من رجل/ لا أستطيع أن أكون معك إلا مجرد احتمال». وربما يكمن الشعر في قلب هذه الصورة تماماً. وفي مكان آخر تقول: «حين أحبّته/ أشجار كثيرة حنت أغصانها/ حتى طلوع الشمس/ وحين كرهته/ أشجار كثيرة/ أشاحت عنها/ حتى غياب الشمس»، وكأن علاقة الشاعرة المرأة بالوجود تحتكم للتقلب وللتبدل الذي يربطها بالحب. بل إنّ حب الذات أيضاً يدور في الفلك نفسه «كأنّي حين عشقتك هويت ذاتي».
لكن معالم القصيدة تتغير لدى سعاد جروس حين تبتعد عن موضوعة الحب، فتصبح أكثر عمقاً وإدهاشاً: «أروع الأخطاء/ تلك التي تغري العقل بالتنزه خارج ذاته». أو «ما عاد القميص الذي أرتدي ملائماً/ أفكاري أيضاً فقدت نضارتها/ كأن الطقس تغيّر/ للكون بريق آخر/ وما زلت كلما أنهض/ينتفض الغبار من حولي». نحن أمام شعر يتبدّل مزاجه حين يحتك صوّانه بأشياء العالم، أحياناً تفقد قصائدها نضارتها وأحياناً تلمع كشهاب: «كلانا يحدق إلى الآخر/ الملل وأنا/ نتبادل السأم».