بيار أبي صعب«لن يغنّي زياد! هذا ما أكّده لنا بعض أعضاء فرقته. الحفلات التي يقيمها في قلعة دمشق ستقتصر على البلوز والجاز... إلا أن بعض المتفائلين يراهنون على «مزاجيّة» الفنان، وتفاعل الحشود التي تنتظره بفارغ الصبر». بغض النظر عن دقّة هذا الكلام الذي قرأناه على الإنترنت، فنحن أمام عيّنة من المراهنات الرائجة هذه الأيام. ليس حدثاً عادياً ذلك الذي تشهده الشام. العاصمة السوريّة على موعد مع فنّان خارج التصنيف، ومشاغب من سلالة منقرضة. وكل يريد زياده. إذ إن الرحباني الابن خريطة متكاملة من المدارس والألوان والأنماط والأشكال الاستعراضيّة والتعبيريّة. لعلّ بعضهم يطالب بـ«عيسى ومخايل» أيضاً، والبعض الآخر يتوقّع سماع تلك الأغنيات الساخرة التي طبعت زمنها، وباتت عنواناً لرفض السائد الثقافي والاجتماعي والسياسي. ما يصحّ على هذا الصعيد في بيروت، يصحّ في الشام وأكثر. أحلام الحريّة نفسها، وكذلك النقمة والرغبة والسخرية والصراخ المكبوت.
زياد الرحباني الذي تتعاطى معه شريحة واسعة من الشباب العربي بصفته سفير الحريّة، وصوت النقد والتغيير، هو أكثر من موسيقي (وممثل وكاتب ومسرحي إلخ). إنّه حالة عامة. يروى أن والده عاصي سأله مرّة، صغيراً، من أين سمع اللحن الذي يدمدمه؟ «في رأسي، إنّه يتردد منذ حين». وريث المدرسة الرحبانيّة العريقة، أخذها إلى أماكن مغايرة، أذُنٌ عند سيّد درويش وأخرى عند أنطونيو كارلوس جوبيم. ننتظره من الشرق، فيأتي من البرازيل مع الـ«بوسا نوفا». لقد مزج التأثرات والأنغام في مختبره: ما نظنّه «جاز» و«بلوز» و«سوينغ»، هو أيضاً «فانك» و«صول» و«ريتم أند بلوز»... زياد هو ملك الـ«فيوجن» بامتياز. الفيوجن كفلسفة حياة. موهبته الموسيقيّة ومناهله المختلفة وإلمامه الدقيق بالتراث العالمي، تتقاطع مع نزقه وقلمه المرّ كـ«معلّق» وكاتب أغنيات وحوارات ومقالات، من الشارع يصطاد الكلمات، فيستخرج الشاعريّة من فجاجتها... وأخيراً يأتي حضوره الشخصي عنصراً أساسيّاً في المعادلة، عازفاً على البيانو أو «كوميديّاً» على الخشبة: كلمة أو حركة، وتنهار الجموع من الضحك.
في التسعينيات فكّر ذات مرّة جدياً في خوض الانتخابات النيابيّة، ثم عدل عن تلك المغامرة. ومع ذلك يمكننا القول إن الفنان الذي تستقبله دمشق الليلة بالأحضان، هو... «صوت الشعب».