محمد شعيرفنان آخر من الكبار يرحل في مصر. إنّه التشكيلي حسن سليمان (1928 ـــــ 2008). لكنّه رحيل هادئ، بعد وصية تركها بألا يقام له «سرادق» للعزاء، على غرار ما فعل أستاذه الروائي الراحل يحيى حقي. كان سليمان يسكن في البيت المجاور لمكتب المخرج الراحل يوسف شاهين (شارع «شامبليون»، وسط القاهرة). البيت سكنه ذات يوم، أثناء منفاه القاهري، الرئيس الجزائري أحمد بن بيلا الذي ارتبط بعلاقة قوية مع سليمان في الخمسينيات. وعندما انتصرت الثورة وعاد إلى الجزائر، ترك المكان لصديقه المتحمّس للثورة، الذي كان يعتزم التطوّع في صفوف المجاهدين. سكن سليمان في جزء من البيت وحوّل الباقي إلى مرسم. ربما ليس هناك فنان مصري لم يمر على البيت الذي حلم صاحبه بأن يصبح مقاتلاً يابانياً (ساموراي).
يُعدّ سليمان من آخر الفنانين الذين نشأوا في العهد الليبرالي، وهو من الجيل الذي حاول أن يخلق أسلوباً مصرياً في التشكيل، مثله مثل عبد الهادي الجزار وكمال خليفة. ومن هنا، كان لجوؤه إلى «العمارة الإسلامية» بحثاً عن أسلوب متميز في الرسم. ومن هنا، عُدّ «ظاهرة في الإبداع التشكيلي المصري المعاصر. فلوحاته مع قدرتها التعبيرية وتأثيرها الدرامي تتميز بالتنوع والثراء من مرحلة إلى أخرى» حسب الناقد والفنان صلاح بيصار.
خاض سليمان معركة كبرى دفاعاً عن رسم «الموديل العاري»، بعد إلغائه من كليات الفنون الجميلة. وكان يعلن أنّ الموديل الخاص به هو المرأة الشعبية المصرية التي كان يراها النموذج الأمثل لـ«الأنثى». ولم يكن سليمان مجرد فنان تشكيلي يسكن برجاً عاجياً، بل كان فاعلاً ومشاركاً بقوة في الحياة الثقافية العربية. وعندما تأسس معهد السينما في مصر، اختاره الفنان محمد كريم، عميد المعهد، أستاذاً لمادة «تكوين الكادر». فتخرّج على يديه محمد خان، علي بدرخان، خيري بشارة، عاطف الطيب، وداود عبد السيد الذي أنجز عنه شريطاً وثائقياً مهمّاً هو «العمل في الحقل»، الذي يستعير عنوان إحدى اللوحات الأساسيّة في تجربة سليمان.
وكان للشعر مكانة مهمّة في تجربة الفنان الراحل. لقد ترجم سليمان عدداً كبيراً من قصائد ريتسوس، وعمل مخرجاً فنياً لمجلة «الكاتب» التي رأس تحريرها الراحل يحيى حقي... كما كان أحد المؤسسين لمجلة «غاليري 68» التي عدّها كثيرون «الرد الروحي على الهزيمة».