قناة خاصة لاتّحاد الإذاعات، برامج «تحليلية» على «الجزيرة» و«دبي» و«أبو ظبي»، وشعارات تروّج للوحدة والقومية... الميديا العربية تحاول الفوز في الألعاب الأولمبية، متناسيةً أن الأرقام وحدها تحدد الأقوى والأعلى والأسرع!
محمد خير
المشهد كان مدهشاً حتى بالنسبة إلى مخرج صيني، ينتمي إلى بلد الحزب الواحد. ذلك أنه أثناء الطابور الأولمبي المهيب، وبينما يتوالى ظهور وفود 204 دول مختلفة في حفلة الافتتاح، كان وفد وحيد يرفع صورة شخصية عملاقة واضعاً إياها فوق علم بلاده. كان الوفد عربياً بلا شك، والصورة المبتسمة لملك البحرين كانت غريبة ووحيدة في طابور العرض الأولمبي. شدّت الصورة ـــــ بالطبع ـــــ انتباه المخرج، فقرّب لقطته مندهشاً. لكن صورة أخرى سرعان ما جذبت الكاميرات التي زادت عن الستين، كان أحد الرياضيين يسير خلف علم بلاده ملوحاً للجمهور. لكنه لم يكن ينظر إلى الآلاف التي احتشدت في المدرجات، أو إلى المليار نسمة خلف شاشات التلفزيون، إذ كان مشغولاً بالحديث في هاتفه الخلوي، مستخدماً يمناه في تلويح روتيني. لا بدَّ أن المخرج الذي أعاد اللقطة مراراً كان يتساءل: ألا يحترم هذا المشارك جمهور المشاهدين، أم أنه لا يحترم علم بلاده، الإمارات؟
اعتاد العرب أن يكونوا محط الاهتمام إيجاباً أو سلباً: هم أهل النفط وضحايا الاحتلال ومبتكرو «القاعدة»، وهم في قلب الخبر سواء كانوا مشاركين فيه أو في محل وقوعه. بيد أن هذه الصورة تختلف كثيراً في الأولمبياد. في بكين أو ما قبلها، يكتشف العرب أنهم قد لا يكونون مهمين إلى هذا الحد: ليس لديهم نفط رياضي يتصارع العالم عليه. كما أن الحقيقة صارمة، والأرقام وحدها تحدّد الأقوى والأعلى والأسرع.
غير أن الميديا العربية تعيد إنتاج أوهامها الخاصة. ومع نمو هذه الميديا، وتنافسها وتقنياتها المتطورة، تتطور معها تلك الأوهام، فتستعير خطاب المؤامرة من دنيا السياسة إلى عالم الرياضة، وتتحول المؤامرة على العرب، إلى مؤامرة على الرياضيين العرب. الأولى أدواتها التحالف الصهيوني العالمي، والأخيرة أدواتها الحكّام المتحيّزون!
عدد كبير من الفضائيات العربية أفرد مساحات كبيرة للأولمبياد، حتى إن اتحاد الإذاعات العربية خصص قناة مستقلة لنقل الألعاب. اللافت هنا أن الأولمبياد غير مشفّر أساساً، فما الحاجة إلى مثل تلك القناة؟ وأين يكون اتحاد الإذاعات في المناسبات التي تحتكرها مجموعات إعلامية خاصة؟ على كل حال، فإن القناة الموحّدة لم تقدم تغطيات تحليلية مميزة، قياساً إلى ما قدمته «الجزيرة الرياضة» ـــــ وهي الأفضل ـــــ وقناتا «دبي» و«أبو ظبي» الرياضيتان. غير أن الأخيرتين ـــــ لأسباب مفهومة ـــــ أفردتا اهتماماً خاصاً بالمشاركين من عائلة آل مكتوم الحاكمة. وهو اهتمام بدا أحياناً مستفزّاً من ناحية «اللغة» التي استخدمها، كالقول إن: أسطورة الرماية العالمية فينسنت هانكوك سيشارك «إلى جوار» سمو الشيخ سعيد بن مكتوم.
المدهش أنه في زمن «سقوط الأيديولوجيا»، وبعدما أصبحت القومية العربية محض حلم بالأبيض والأسود، تعود ـــــ على يد الفضائيات ـــــ مفاهيم وشعارات تنتمي إلى ذلك الزمن. فالميداليات التي يفوز بها اللاعبون ليست جزائرية أو مصرية فحسب، بل هي بالأساس ـــــ ولحسابات الميديا ونسب المشاهدة ــــــ ميداليات عربية أولاً وأخيراً، والبحث عن ميداليات ذهبية لا يفرِّق بين شواطئ المحيط والخليج. أما جدول الميداليات الذي عرضته «الجزيرة الرياضية» فهو مبتكر في تكوينه، إذ لا يضم ـــــ بداهةً ـــــ المراكز العشرة الأولى للدول المتنافسة، بل يضم أسماء الدول الثماني الأولى، ثم أسماء الدول العربية الفائزة بالميداليات، مع ترتيب كل منها (تونس الجزائر ومصر حتى كتابة هذه السطور). وعلى رغم ما يطرحه ذلك من مشاعر عربية قلّما تتوحّد، فإنه يبتكر مصطلحات ومفاهيم غير مدروسة على الإطلاق، فلا يمكن مصطلح «الرياضة العربية» أن يوحّد بين ظروف ومشكلات الرياضيين في كل من المغرب والكويت مثلاً. ولا بدَّ أن بلداً مثل قطر يمنح الجنسية لرياضيين أجانب ليحملوا علمه، تختلف خططه عن بلد يضمّ قاعدة شعبية هائلة مثل مصر. أما اللاعبات الرياضيات في المغرب العربي أو سوريا، فقد يحتجن إلى دعم ماديّ لا تفتقر إليه لاعبات الخليج، فأولئك مشكلتهن في مدى الانفتاح الاجتماعي على الرياضة النسائية من ناحية المبدأ. هكذا، فإن الدمج المتمثِّل في مصطلح «رياضة عربية»، قد يعني في الواقع دمجاً للمشكلات أكثر ما يعني إيجاد الحلول. والدلائل كثيرة وواضحة من سياق البث الفضائي العربي خلال الأولمبياد: تنوّع الجنسيات العربية في حلقات البرامج المختلفة، صنع من خلال النقاشات، «كوكتيل» من التبريرات العربية الفريدة التي استطاعت بجرأة منقطعة النظير، أن تسمّي الحصاد العربي الهزيل في الأولمبياد «إنجازاً عربياً». وهو إنجاز حققت أفضله، دول يصعب إيجاد مكانها على الخريطة.


الطبع يغلب التطبّع

الروح المنفتحة التي أبدتها الصين تجاه العالم في مناسبة الأولمبياد، لم تصل إلى درجة التخفيف من القيود المفروضة على الإنترنت. إذ اقتصر «التنازل» الصيني على إلغاء حجب مواقع انترنت فقط أمام الصحافيين المشاركين في تغطية الأولمبياد. إلا أن الصينيين لم يلتزموا تماماً، فظلّ عدد من المواقع بعيداً من إمكان تصفّحه، وخصوصاً تلك المتعلّقة بقضايا تايوان والتيبت. وأصدرت اللجنة الأولمبية الصينية، وفقاً لـCNN، بياناً جاء فيه: «نعم، لقد وعدنا بتوفير حرية تصفّح الإنترنت، ما عدا القليل من المواقع التي قد تمثّل تهديداً لأمننا الوطني، ولن تكون ذات نفع في عملية نمو صحي لشبيبتنا».